زايد…ناقص
جمعة بوكليب
ماذا سيخسرُ المرءُ منّا لو توقف، من حين لآخر، وقام باجراء عملية جَرد لما تبقى على الأرفف في مستودعات وخزائن قلبه من أحلام تجاوزها الزمن، وصارت، بمرور الوقت، بضاعة فاقدة الصلاحية، وغير صالحة للاستخدام البشري؟ القصدُ: أن يتقمص فعلياً دور تاجر ذكي وناجح وبراجماتي. ويتعمّد أن يتخلص من كل البضائع القديمة المهملة والراكدة في المخازن، ويستبدلها بأخرى جديدة. الهدفُ: أن يفرّغ، أولاً بأول، ماظل كاسداً، وراكداً كبركة آسنة، على الأرفف في مستودعات قلبه، واحلالها بأخرى جديدة ومفيدة ومطلوبة ومربحة، بغرض تقليل خسائره، ليزيد من أرباحه ما أمكن. ذلك أن التاجر الذي لا يفكر في مضاعفة راسمال تجارته، وزيادة مداخيله من الأرباح ليس أمامه سوى اغلاق أبواب متجره، والبحث عن حرفة أخرى. كأن يلجأ مثلاً إلى الحصول على وظيفة في مكتب حكومي، توفر له دخلاً شهرياً مضموناً، من دون حاجة لانفاق جهده، وخسارة راحته النفسية والبدنية. المسألة في نظري تتشابه، إلى حد كبير، مع وصول المرء إلى مرحلة التقاعد، عقب سنوات طويلة من الانهماك في العمل، راكم خلالها وكدس في خزانات ملابسه عشرات البدل، والقمصان وربطات العنق والاحذية، ثم فجأة يكتشف انتفاء حاجته إليها، وليس أمامه سوى التخلص منها، وتفريغ خزانة ملابسه، واحلال ملابس أخرى تتناسب والمرحلة الجديدة في حياته، وكذلك الأحلام.
فنحن معشر البشر نتميز عن غيرنا من الكائنات بطموحنا الذي ينمو فينا منذ الولادة. والاحلام، على أختلافها تغرق قلوبنا أمواجها منذ سنوات الطفولة المبكرة. الغريب أننا، على اختلافنا، لا نتوقف عن الحلم، ولا نستطيع ذلك، لأن توقف الكائن البشري عن الحلم يعني موته، وانتهاء الحضارة الانسانية. بل وحتى في مرحلة متأخرة من العمر، تراودنا أحلام، وتعترينا طموحات. بعضها نتمنىاه ونسعى لتحقيقه ما أمكن. وبعضها نخفيه عن الأعين حتى لا يكشف مناطق ضعفنا لفضائحيته أو لا معقوليته.
وكما هو متوقع، فإن تراكم تلك الأحلام بمرور الزمن، تتحول إلى أكوام متكدسة فوق بعضها على أرفف عديدة، في مختلف مستودعات القلوب وحناياها، حتى تصير مغلفة بالنسيان، ومدثرة بالغبار، ويصبح من الصعوبة بمكان على المرء فرزالصالح والطالح منها، أوالممكن التحقق والمستحيل التحقق. لكننا، في ذات الوقت، نعلم أنه ليس بحوزتنا من الزمن والصبر وسعة الصدر ما يكفي لنقوم بعملية الفرز تلك. وبالتالي نتجاهلها، ونواصل التكديس.
بعض تلك الاحلام، لسوء حظنا، نجرجرها معنا منذ انبثاقها في قلوبنا وعقولنا من بدايات الطفولة. وأخرى راكمناها، طيّة فوق أخرى، في مراحل الشباب، فتراكمت أكداساً. ورغم علمنا بتجاوز الزمن لها، وفقدانها الصلاحية، لم نجد لها وقتا او صبراً للتخلص منها. ومع ذلك، لا نفكر في التوقف قليلاً، بقصد منح أنفسنا فرصة لفتح تلك المخازن القديمة، وجرد محتويات أرففها وتخليصها من تلك الأحلام الكاسدة، واستبدالها، إن أمكن، ببضائع ( حُلمية) تنتمي لزمنها، وتحظى بمشروعية ومنطقية، والأهم من ذلك أنها، عملياً ونظرياً وواقعياً، قابلة للتحقق. قابلية الاحلام للتحقق يعد شرط وجوب، وفرض عين، حتى لا تصير الأحلام أوهاماً، أوهلوسات لا تجد لها مكاناً على أرض الواقع المعاش، فتذروها الرياح.
من المناسب للمرء ، حسب تجربتي الشخصية، حين يتجاوز مرحلة عمرية، تقترب به من الكهولة، ألا يقع فريسة سهلة للأوهام، بتجاهل الأعتراف والقبول بتجاوزه مرحلة الشباب وما ينتابها من أحلام وطموحات. ذلك التجاهل والانكار يدفع به إلى منعطفات محرجة. فلكل عمر ما يناسبه من أحلام، وما يتلائم معه من طموحات ترضي ذاته، وتحقق توازنه مع العالم.