منصة الصباح

زايد…ناقص

 

جمعة بوكليب

 

توعية ليست متأخرة جداً لو لم يؤكد لي موظف الأستقبال في الفندق، أنني في المكان المقصود، ثم أقرأ، فيما بعد، الاعلان الخاص عن الدورة معلقاً على باب صالة داخلية، لربما ظننتُ أنني سهوتُ كالعادة، وأخطأت المكان، ودخلت صالة خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة. كنتُ أعتقدُ أن المنخرطين في دورة التوعية المرورية الملزمة، سيكون أغلبهم من الشباب. ولم يكن ظنّي في محله، رغم أنه لم يكن وليد تخمين، بل مبني على خبرة حياتية اكتسبتها بما أشاهده يحدث يومياً على الطرقات، سواء أكان ذلك في شوارع لندن، أو طرابلس، أو مدن العالم الأخرى التي زرتها، وكذلك بناء على ما يصدر من احصائيات رسمية في كافة البلدان. الحاضرون في الصالة، كانوا مثلي قد تجاوزوا أعوام الشباب منذ زمن. وكانوا يجلسون على مقاعد مريحة، موزّعين في أنحاء الصالة. وما حدث هو أنّه في عالم صناعي معقد ومتقدم، عُهد إلى التكنولوجيا الحديثة، ممثلة في صناعة الكاميرات، مهمة تخفيف الأعباء على رجال الشرطة، وأضحت تقوم مقامهم، وبكفاءة أفضل في مراقبة حركة المرور على الطرقات، وبتكاليف مالية أقل بكثير. ولسوء حظي، وقعت في فخ احداها، التقطتني، ذات نهار، وأنا مسرع بسيارتي في طريق عام، حددت السرعة فيه بـ 30 ميل في الساعة. الرسالة التي وصلتني من الشرطة، مرفوقة بصور كدليل، تؤكد أن سرعة سيارتي على الطريق تجاوزت السرعة المحددة بستة أميال. وتوضح أن الخطأ المرتكب لا يستوجب مخالفة مالية فقط، بل يستدعي المثول أمام قاض في محكمة. وتضيف أن البديل عن ذلك، هو الالتحاق بدورة توعية مرورية، مقابل دفع مبلغ وقدره 91 جنيه استرليني. والمطلوب مني هو الاجابة عن الاسئلة المكتوبة خلف الصفحة، في حالة تأكيدي بأنني أنا شخصياً من كان يقود السيارة أثناء المخالفة، وارسال الورقة إلى الجهة المختصة. والقيام فورياً بتسجيل اسمي في واحدة من الدورات المتوفرة. كان السؤال الحاضر في ذهني هو: هل يعقل أن يكون سائقو السيارات من كبارالسنّ متهورين إلى هذه الدرجة؟ واحدة من النسوة المخالفات، كانت من الكبرلا تستطيع حتى المشي من دون عكاز. ورجل عجوز منهم ذكرني بجدّي لأبي رحمه الله. الشاب الوحيد الموجود بين الحاضرين، كان يعمل مترجماً، جاء مع رجل عجوز من بلده ليترجم له ما يقال. حكيت لأصدقاء لي، فيما بعد، عن تلك التجربة. ضحك أصدقائي، لكن أحدهم تطوع بالتوضيح لي أن ظني لم يجانب الصواب، وأن الشباب من السائقين يتسمون بالتهور وبالسرعة. وأنهم لا يستطيعون الافلات من الكاميرات. وعدم رؤيتي لهم في الدورة تلك ناجم عن حقيقة أنهم يحضرونها عبر الانترنت. وأن حضور سائقي السيارات من العجائز أمثالي للدورة في الفندق ناجم عن حقيقة أنهم لا يعرفون التعامل مع التكنولوجيا الحديثة، ومضطرون لحضورها حتى لا يفقدوا رخصهم. وأصدقكم القول، إنني تمنّيت لو أنني أرتكبت المخالفة المروروية منذ زمن، وتمكنت من حضور دورة توعية مرورية. فقد تبيّن لي، أن كل معلوماتي المرورية عن الطرق تلاشت من ذاكرتي، ولم يعد لها فعلياً وجود. وأنني لو رحمة من الله ورعايته، لكنت دخلتُ السجن منذ زمن عقاباً على جهلي الواضح بالقوانين، التي وضعت من أجل سلامتي وسلامة الآخرين. وتبيّن لي كذلك، ومن دون مبالغة، أنّه كان يجب أن يكون حاضراً معي في الدورة كل سائقي السيارات في ليبيا، من الجنسين، ومن مختلف الأعمار والفئات. ليس هذا فقط، بل موظفو وزارة المواصلات في كل البلديات، ورجال المرور والشرطة أيضاً!

شاهد أيضاً

اللي تعرف ديته.. اقتله

مثل ليبي يصف بعضا من الواقع الذي نعيشه بإرادتنا أو فرضًا علينا، فمنذ أيام ضجت …