منصة الصباح

جرأة للفرح

قصص قصيرة جدّا

قراءة : محمد الهادي الجزيري

 

( الفرح حذاء مثقوب من الأمل ـ جرأة مالحة من صعوبة النطق )

بهذه الجملة / المفتاح ، أردت أن أفتتح قراءتي لهذه المجموعة القصصية القصيرة ، للقاصّ الدكتور محمد ياسين صبيح ، وقد كان لي في مرّات سابقة عناق مع كتاباته الشيقة..، وقد استهلّ ” جرأة للفرح ” بنصّ تقديمي وتعريفي لأحاسيس وأشياء ومعان كثيرة ..نمرّ بها أو تمرّ بنا ( في حياتنا ) وخاصة في كتابتنا ..مثل الخوف والحزن والفرح والجرأة والمتاعب وغير ذلك كثير .. وذروة حديثه كان جملة بديعة ” القصة القصيرة جدّا فرح السرد ، وجرأة الصياغة والتكثيف ، وروح الفكرة السريعة ” ..ثمّ يبدأ القصّ..

أنا محاصر بجمع من القصص القصيرة ..مكثفة يكاد كلّ حرف في صياغتها ..له وظيفة وهدف ورؤيا ..، سأحاول الخوض في هذا الدغل بحذر …ولأبدأ بقصة ” متاريس ” لأنّها تحدس لي بأنّ ما حدث في سوريا ( الكاتب سوري ) مدسوس في تفاصيل هذه القصة ..فعندما تصبح كلّ العلاقات مبنية على الحذر والخوف والرعب المتبادل ..تكون قد نجحت في تصوير المجتمع السوري قبل سنوات ..حين كان الكلّ يخاف الكلّ ..، حين كانت الحرب لغة للجدال لا أكثر ولا أقلّ ..، إليكم هذه القصة:

” وضع الصورَ أمامه ،

صديق طفولته ..صديق دراسته ..صديق مراهقته..

وصديق عمله ..

كلّهم كانوا يحبّونه..

قبل أن تصبح المتاريس أفقا للعيش.”

هذه قصّة مفتوحة على شتّى التأويلات والقراءات المتنوعة ، ففيها كلّ شيء يُفسّر كلّ شيء ولنبدأ بنصّ القصّة القصير ثمّ نشرح ما ذهبنا إليه وما فهمناه من معاني ..أمّا القصة فعنوانها   ” فرصة ” :

” في العرس كلّهم يصرّ على المشاركة

في الرقص ،

إلاّ العريس..وجد المناسبة للصراخ

مع الطبال ..الذي سئم من القرع ”

يمكن القول أنّ البطلين الرئيسين ملاّ ما يطيب للآخرين ..، العريس أو صاحب الحفل انتهز فرصة انشغال الحضور بالرقص والصوت العالي للموسيقى ..ليصدع بالصراخ المدويّ ..ندما على كلّ شيء أو بكاء على ما فات وما سيأتي من متاعب كثيرة ..، هذا إن فرضنا أنّ العريس ليس إلا واحدا منا ..سئم كلّ شيء وتساوى له كلّ شيء ..، أمّا الطّبال فلا أحد يسأل عنه ما دام يقرع الطبل وما دام يقوم بمهمّته الرتيبة الآليّة منذ كان إلى أن يتوفى ..لذلك انتبه القاص لحالته النفسية الموسومة بالسأم من القرع الذي وجب أنّ يتوقف ..، إذ لا بدّ للكاتب والعريس والطبال والقراء ..أن يكفّوا عن الرقص المجاني في حلبات العالم الذي تتحكّم فيه الغيلان والوحوش الضارية

أحيانا يوغل في الغموض إلى حدّ الانغلاق ويتعسّر فهمه على غرار قراءة قصيدة النثر وحتّى الموزونة ..وكأنّ محمد ياسين صبيح رسام سريالي يحلّق في فضاء من الرموز والاستعارات والمجازات ،..وكما قلت سابقا أتوه وسط دغل كثيف المعنى والدلالات ..، وفي حين آخر ينفتح النصّ ويموء إلى ما يريد ..مثال ذلك هذه القصة القصيرة جدا معنونة ب ” محادثة ” :

” همس في أذني :

ـ سأقتل كلّ الأعداء ..

ـ ومن هم الأعداء ؟

ـ كلّ الذين هم على الضفّة الأخرى..

ـ أيّة ضفّة ؟ فنحن على جزيرة ”

هنا يكشف القاصّ خطأ الآخر في فهمه للعدوّ..، بأجمل خاتمة لهذه القصة القصيرة جدّا حين يقول المتحدّث الثاني : فنحن على جزيرة ، غاية الدكتور محمد ياسين صبيح توضيح أمر هام لدى الناس أو جزء من ناس اليوم ..، الكلّ يبحث عن أعداء مجانا ..وإن كان المدّعي لا يصلح حتّى أن يكون عدوّا لأحد ..، وبهذه الفكرة الجميلة ننهي إطلالتنا على مجموعة قصصية ممتعة جاءت لتؤكد فداحة موهبة هذا الكاتب في فنّ القصّ..وهو صاحب المجموعات القصصية وكتب أخرى ..كما يعدّ لنا ولائم كثيرة من جهده ومثابرته وإيمانه أنّ الكتابة قدر الكبار ..فقط .

شاهد أيضاً

ما فيش سرير 

أحلام محمد الكميشي منشور بصفحة أحد الأصدقاء كتبه أب مكلوم بمداد من دموعه بعنوان (ابني …