منصة الصباح

ثلاثةُ أنواع من الكُتّاب

زايد ناقص

بقلم /جمعة بوكليب
ثلاثةُ أنواع من الكُتّاب عرفتهم صغيراً. الثلاثةُ تواجدوا في وقت واحد، إلا أن معرفتي بهم كانت تدريجية. أول من عرفتُ الفقيه كاتب الاحرزة والحجابات، وثانيهما الكاتب العمومي، وثالثهما كاتب العمود أو الزاوية الصحفية.
الأول والثاني كانا نتاج وضع اجتماعي واقتصادي اتسم بانتشار الفقر والجهل والمرض، وحين تغيّرت الأوضاع إلى الأفضل اقتصاديا، وانتشر التعليم والرعاية الصحية أنتفت حاجة المجتمع إليهما. والثالث مازال يصول ويجول وبحضور متميز.
فقيه الحجابات، كان مفردة شديدة الحضور في المعجم الحياتي الليبي. وكل الفقهاء ذكور. كبار في السن، من خارج طرابلس. كانوا يترصدون زبائنهم في الشوارع المعروفة مفترشين الأرض، أو في (دكاكين) يستأجرونها في الحواري، أو في (خلوات) صغيرة ملحقة بمساجد، أو زوايا دينية. يضعون كتبا قديمة مصفرة الصفحات على بسطة أمامهم في الشوارع، أو على سفرة خشبية في الأماكن الأخرى، وإلى جانبها الدواة والأقلام. وباستثناء أطباء القلوب من الفقهاء، فأغلبيتهم فقراء، وأغلب زبائنهم من النساء. والوصفات التي يكتبونها للزبائن عادة ما تكون على قطع ورق صغير مصفر، ولايمكن لبشر غيرهم قراءة ما يخطون بقلم مصنوع من القصب، وبحبر أسود كالمستخدم في الكتاكتيب.
الكاتب العمومي أمر مختلف. فهو عادة يجلس وراء مكتب، في محل محترم. أغلبهم كانوا في منطقة باب الحرية. كانوا أصغر سناً من الفقهاء، ويرتدون ملابس أفرنجية، ويجيدون القراءة والكتابة. وتخصصهم في كتابة الشكاوي والطلبات والعرائض للدوائر الحكومية، وطلبات المساعدات، وغيرها مما يحتاجه مواطن فقير من حكومة فقيرة. وزبائنهم متنوعون بين ذكور وأناث، وكلهم أميون. وعلى خلاف الفقهاء يكتبون العرائض على آلات كاتبة، يدوية. وعرائضهم واضحة ومقرؤة، وتعرف طريقها إلى الهدف، بلا لف ولا دوران. كما يقومون ايضا باعداد محاضر البيع والشراء في الاسواق، مثل بيع وشراء دراجات. واحوالهم المالية ومكانتهم الاجتماعية افضل من الفقهاء. وبعضهم حولوا مكاتبهم في فترات زمنية تالية إلى مكاتب سماسرة ووكلا ء تجاريين، وبعضهم تحولوا إلى قطط سمان في عصر النفط. ما يميزهم، على أختلافهم، أن عرائضهم وطلباتهم وشكاويهم التي يعدونها ويطبعونها بمستوى واحد، ومن الصعب التمييز بين عريضة وعريضة من كاتبين عموميين مختلفين. وكأنهم تعلموا وتخرجوا على يدي معلم واحد، وينسخون من كتاب واحد.
كاتب العمود اليومي والزاوية اليومية، مستوى آخر من مستويات الكتابة. البضاعة هنا هي الرأي، والتعليق على كافة مواضيع الساعة، والمشاكل الحياتية. وكاتب العمود عادة رجل أو امرأة، متعلم، وموهوب، وعلى علاقة وثيقة بالعالم من حوله، وشديد الملاحظة، ولكل كاتب أسلوبه الخاص وطريقته الخاصة، في التعامل مع الكتابة. وكاتب العمود أو الزاوية اليومية لايدعي علما، ولا يقدم وصفات سحرية، وليس ماهراً في صياغة العرائض، وكتابة الطلبات، وكل همه أن يتمكن من اصطياد فكرة، أو موقف ينفع لأن يكون موضوع كتابة يستحق النشر، واطلاع القرّاء عليه. القرّاء هنا هم الزبائن. وكلما ازدادت مقالات وتعليقات الكاتب جرأة في الطرح، وعمقاً في التناول، وجمالاً في العرض، كلما تمكن من استقطاب قرّاء أكثر.
الجهل والفقر وانعدام الرعاية الصحية كانوا أسباباً في تواجد الفقيه وحجاباته. والجهل والحاجة كانا وراء وجود الكاتب العمومي. وانتشار التعليم، وتزايد الوعي المجتمعي كان وراء الحاجة إلى كاتب العمود أو الزاوية اليومية الصحفية ليساهم من خلال آرائه وتعليقاته في تكوين رأي عام مستنير متابع لما يحدث في المجتمع والعالم من قضايا. وعلى عكس الفقيه والكاتب العمومي، كلما ازداد انتشار التعليم والوعي المجتمعي ازدادت الحاجة إلى كاتب الرأي الواعي والمستنير.

شاهد أيضاً

السيد مدير مركز المناهج التعليمية يبحث مع اليونيسيف بدء تطبيق مهارات الحياة في المناهج التعليمية

  الصباح   عقد مدير عام مركز المناهج التعليمية والبحوث التربية د. سيف النصر بالحسن …