منصة الصباح

تناقضات ليبية 2

يحيي الجربي

مشكلة الدول النامية هنا ، أنها تتكون من مجتمعات تسير دفعة واحدة نحو الصواب ولايسير كل فردٍ فرداً ، فالجهل بالجملة علامته أن كل فرد يعرف الصواب دوما ، وإن لم يعرفه، فإن شيخ القبيلة حتما يعرفه كما يعرف كيف يحلب ناقته.

أما إذا كان هذا الفرد يعرف الصواب حقا، فسوف يضع صوابه في جيبه إن تعارض مع شيخ القبيلة الفاضل.

إن المجتمعات الغنية بالجهل تتدنى فيها مستويات الأمّية وتزيد فيها المفاهيم الخاطئة، ويملك الجتمع الغني بجهله حلولا لمشاكل البلاد والعباد في كل وقت ويتمنى ان يعيش في دولة اوروبية في اسرع وقت.

إننا نتعلم في مدارسنا المجانية كل انواع المعارف، ولكننا لا نقيسها، و إن قسناها فسوف نقيسها بالتاريخ لا بالمنطق والتحليل، سنقيس عمقها التاريخي، فإن كانت هذه المعارف مطبقة حتى عاشر جدٍ أو أكثر إذا إكتسبت هذه المعرفة قيمة لايتداولها إلا الجاهل نفسه .

فمشركيي مكة رفضوا الإسلام بحجة أن مايفعلونه الآن فعله أبائهم وأجدادهم ، فلم يقيسوا مايفعلونه بالمنطق، وإلا لعرفوا أن قمة السذاجة تكمن في صنم من التمر تعبده وأنت شبعان وتاكله لاحقاً على العشاء . وبدا لهم مايفلونهم ذو قيمة، لأنه يمتد إلى عمقٍ تاريخي عاشه أجدادهم.

وإتباعك لمقياس يقيس الصواب بما فعله أجدادك هو تماما كما يقيس طبيب حرارة المريض بالرختر، أو أن تعالج مريض سكر بالزرنيخ، فمقياس الصواب هو تحديد نصيبه من المتفق عليه من قبل الجماعة، والمزعج لهذه الجماعات ان التاريخ الذي يحبونه شهد عليهم ان الحق يأتي مع الافراد ، وأن الله يلوم الجماعات وليس الأفراد “أفلا يعقلون/ أفلا يتذكرون” .

ثم إن المنطق ليس عملة هنا اساساً، فالأفكار الربع عظيمة والعادات والتقاليد النصف حميدة غير مطروحة للنقاش أساساً، فهي ليست محل شك ، فالشك محلُه مقفل عند ناصية الشارع، فأفكار الناس هنا معروضة لمن يطيعها، ويطيع الآباء والأجداد، وإذ ذاك، نعرف هذه المجتمعات انها تسير بخطوات واثقة في مسار خاطئ، ولكن لايهم، لأن كل شبر نتركه ورائنا هو تقدم.

 

شاهد أيضاً

شهر رمضان…..وفلسفة النسوان

باختصار أعي جيداً أن مقالي هذا سيثير حفيظة الكثير من القراء، لاسيما معشر النساء، ولكني …