منصة الصباح

… تكيفا…

 

عمر أبو القاسم الككلي

 

كانت الدراجة عاطلة من أي شكل من أشكال الزينة وأي نوع من الكماليات، ورغم أنها كانت من معدن متين، إلا أن طلاءها قد زال من معظم مساحاتها وانتشر الصدأ والتآكل في عدة أماكن منها، والقليل الذي واتته فرصة للبقاء حال لونه وانطفأ بريقه حتى أنه صار يصعب، للوهلة الأولى، تبين وجوده. الوسادتان البلاستيكيتان اللتان كانتا تغلفان مقبضي المقود زالتا هما الأخريان، وكذلك مقبضا الكابحين والرفرف الأمامي. وما يثير الاستغراب حقا هو أن الرفرف الخلفي قد تمكن من البقاء متشبثا بموضعه.

غير أن الطفل بدا راضيا بحيازته لها. بل إنه بدا سعيدا وهو يلهو بها في الشارع القديم الضيق المرصوف بالحجارة وغير المزدحم. كان يرتدي لباسا صيفيا حالة صبغته مثل حالة ما تبقى من طلاء دراجته وسروالا قصيرا حالة صبغته أفضل حظا.

كان يجري بدراجته ذاهبا آيبا في مسافة قصيرة. لم يكن يركب الدراجة، بل كان يجرها إلى جانبه وهو يركض، وذلك لأن المداسين لم يكونا موجودين وكذلك الكرسي.

لم يكن يجرها بسرعة، وكان،  أثناء جريه، ينحني انحناءا شديدا تكيفا مع ارتفاع الدراجة البالغ الانخفاض، بسبب افتقادها عجلتيها.

أثناء ذلك كان الطفل يغني ويخاطب نفسه ويتوجه بتحياته ومشاكساته إلى المارة القليلي العدد بسبب أن هذه الفترة من النهار ليست فترة نشاط وأيضا لأن المنطقة أصبحت شبه مهجورة.

يدخل المشهد صبي أكبر من الطفل بقليل. كانت مع الصبي دراجة، وكان يركبها. طلاؤها مازال يحتفظ ببريقه وهي بكامل أجزائها. تتدلى من ذراعي مقودها خيوط بلاستيكية ملونة وتقف في كل ذراع مرآة، كما أنها بها جرس ومنبه ينبه بالبطارية.

أما الصبي فقد كان بادي الأناقة.

صاح الطفل محاولا الركض بدراجته إلى جانب الدراجة الأخرى التي تسير بخيلاء وتمهل:

– دراجة!. دراجة!.

ثم توقف عن الركض وقال ضاحكا:

– تلك دراجة، وهذه دراجة!.

أخذ ضحكه يقوى وهو يردد:

– تلك دراجة، وهذه دراجة!.

 

توقف عن الضحك.

 

ثم عاد إلى اللعب ( بدراجته) بابتهاج…

شاهد أيضاً

كل باثيلي وأنتم بخير

    ما هو الذي يمكن أن نعلقه في رقبة عبدالله باثيلي؟ الرجل لم يكن …