منصة الصباح

بلا عنوان .

د ابوالقاسم عمر صميدة

أسوأ شىء ان تكون خارج حسابات الجميع ، ان تصل الى قناعه بانك لست فى تفكير أحد ، وانك مجرد انسان لا احد يهتم به ، لا احد يحبه ، لا احد يضع قيمة لمشاعره وإحساسه وكيانه وكينونته، مجرد وجه من الوجوه ، وإسم من الأسماء ، شكل من الاشكال ، وكائن بشرى يعيش كغيره ، بلا احد ينصحه او يساعده ، او حتى ينبهه الى أخطائه ، او يقف بجانبه فى عثراته وسقطاته ، والأسوأ انك تكتشف ذلك متأخراً ، بحيث يكون الأوان قد فات للقيام بإنعطافة حادة تعيد لك التوازن ، فات الأوان لإجراء مراجعه ذاتية تعطيك دفعة لمواجهة تحديات الحياة ، لمعرفة الصديق الحقيقى من المزيف ، والعدو الحقيقى من الوهمى ، بحيث لم يعد هناك فرق بين ” بروتس” وغيره ، بين من اعتقدت انهم جزءا من حياتك وبين الغرباء ، والحق يُقال فإن هذا الأمر يصنع منك شخص آخر غير الذى كنته ، إنسان متبلد المشاعر فاقد لبوصلته ، لم يعد يهتم بما حوله ، وهذا قمة التراجيديا وعنفوانها ، ويراودك شعور بالخواء والتسطح ، لم يعد يهمك الحرص على الوشائج والروابط والصداقات ، ولم يعد يهمك من يبقى ومن يرحل او من يغادر ، صار الأمر أشبه بلحظة غرق السفن ، حين يكون كل هدفك ونضالك يتمحور فى النجاة والبقاء فوق سطح الماء المضطرب ، وبهكذا مشهد وهكذا كيفية يصبح كل شىء بلا قيمة ، لحظتها يمر شريط العمر فى ثوانٍ كأنه لمحة بصر ، ومع ان زمن الغرق قصير ولحظة الارتباك لا تتجاوز ثوانى ، الا ان ما يتدفق فى ذاكرتك ويمر بين عينيك يختزل لك اهم محطات عمرك الفانى ، ستتذكر لحظات طفولتك ، وشبابك ، ورجولتك ولحظات نجاحك وخيباتك ، وتمر وجوه من اعتقدت انهم أحبابك واصحابك وزملائك وأخلائك تمر فى “فمتو ثانية ” وكأن الحقيقة هى تلك اللحظة ، لحظة العجز ، لحظة فقد القدرة على الفعل ، لحظة ان تميد الحياة بكليتها وتتأرجح انفاسك ودقات قلبك بين وهمك وحقيقتك العاجزة ، وما اقسى عجز وخوار تشعر به دون ان تراه ، تحسه دون ان تلمسه ، وما افدح ان تشعر بالخسارة ، خسارة خطأ الاعتقاد ، وخطأ العشم ، وخطأ بناء قصور من الاحلام على رمال الوهم واعتقاد انك لست وحدك فى معترك الحياة القاسى والمخيف ، لم يكن ” بروتس” صناعة الصدفة والمؤامرة وحيل السياسة ، لكنه كان حقيقتها ، وكان جوهرها ، اراد بروتس ان يبعث برسالة تاريخية للإنسان مفادها لا تُعوّل على غيرك ، لا تطلب شيئاً من الناس الأقرباء او الغرباء ، الاصدقاء او الاعداء ، فلا احد سيمد لك تلك القشة التى يتعلق بها الغريق ، ولا أحد سيسمع أنينك وانت تلفظ انفساك وتقاوم هجوم الأسماك الجائعة وهى تنتظر وليمة طازجه من لحم ودم وفكر وقلب ، قلب كان يعتقد انه فى مأمن من كوارث الزمن وتقلبات الأيام ، كان يعتقد انه ربما يمثل شيئاً إيجابياً لأشخاص كثر أحبهم ونظر لهم كسور او كقفص يحمى ذاك القلب ، لذا شكرا ” بروتس” ، فأنت لست رمز الاحباط والخيبة ، بقدر ما انت جرس انذار للحظة فوات الأوان .

 

شاهد أيضاً

مركز وهبي البوري ببنغازي يحتفي بذكرى رحيل الأديب أحمد العنيزي

مركز وهبي البوري ببنغازي يحتفي بذكرى رحيل الأديب أحمد العنيزي

أقام مركز وهبي البوري الثقافي مساء أمس الأحد، أمسية ثقافية تحت عنوان “أحمد العنيزي بعيون …