العناوين الجانبية
* هل أسكت بيرلسكوني الطامح للعودة إلى رئاسة وزراء إيطاليا إيمان للأبد؟
*عائلة “الموديل” المغربية : مصرون على طلبنا بإجراء تشريح جديد لكشف الحقيقة
*فاطمة فاضل : بيرلسكوني عرض مليون يورو على أختي مقابل صمتها
*التحقيقات الرسمية وصفت أسباب الوفاة واستبعدت وجود جريمة لانتفاء الأدلة
*عارضة الأزياء الشابة كشفت أسرار حفلات (البونغا بونغا) الغريبة والماجنة
“سنثبت بكل الطرق الممكنة أن ابنتنا ماتت متأثرة بالسم” بهذه الجملة أكدت أسرة عارضة الأزياء المغربية إيمان فاضل عزمها المضي قدما في طلب إجراء كشف طبي جديد لجثة ابنتها التي قضت في ظروف غامضة قبل 7 أشهر, لاعتقادها أنه الوسيلة الوحيدة لكشف ملابسات حادثة الوفاة هذه.
وتصر العائلة أن ابنتها لم تمت نتيجة ظروف طبيعية, مستدلة بصور لها وهي في آخر أيامها في المستشفى, وقد جحظت عيناها وبدت علامة الصفراء (بسبب إرهاق الكبد) واضحة عليها, وقد نزف أنفها بشكل مستمر, مع هزال ألزمها السرير وجعلها لا تفارق قناع الأكسجين.
وبعد أن كاد الجميع ينسى قصة وفاتها, عادت الأخبار لتتداول آخر مستجدات القضية, خاصة وأن نسخاً من كتب كانت إيمان تعده تسربت, وأوضحت أنها ستذكر بإسهاب تفاصيل حفلات رئيس وزراء إيطاليا السابق سلفيو بيرلسكوني الماجنة والشاذة, والمعروفة باسم (بونغا بونغا).
العودة إلى البداية
أواخر عام 2011 اضطر بيرلسكوني للاستقالة من منصبه كرئيس وزراء لإيطاليا بسبب مشاكل إقتصادية وعدم وفائه بوعوده الانتخابية، بجانب ظهور اسمه في قضايا فساد وفضائح جنسية.
ورغم أن الرجل المثير للجدل اعتبر ما حدث مؤامرة من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي, بسبب رفضه رهن إيطاليا لصندوق النقد الدولي, فإن الكثيرين صدقوا تلك التهم الموجهة إليه لارتباطه بتاريخ طويل من الفضائح, كان ينجو منها في كل مرة, باستخدام سطوتي القانون والمال.
وبعدها بعامين (سنة 2013) حكم على رئيس نادي (ميلان) السابق بالسجن 7 سنوات وحرمانه من المناصب العامة مدى الحياة لإدانته في قضية أخلاقية مع راقصة مغربية قاصر تدعى كريمة المحروق, وهي القضية المعروفة إعلامياً بـ(روبي روباكوري), حيث اتهم بإغوائها ثم استغلال نفوذه ومنصبه والكذب لإخراجها من السجن, مدعياً أنها قريبة الرئيس المصري السابق حسني مبارك.
لاحقا استطاع بيرلسكوني – كالعادة – الحصول على براءة شاملة بحجة عدم وجود جريمة من الأساس, لكن الأضواء سلطت على أقوال وشائعات انتشرت منذ سنوات على حفلات ماجنة يقيمها رجل إيطاليا القوي, وتحدث فيها انتهاكات لآدمية المشاركات, المضطرات لتنفيذ أوامر بيرلسكوني طمعا في أمواله.
انكشاف سر البونغا
تلك الحفلات المعروفة بـ(بونغا بونغا) ظلت سرية, والحديث عنها كان مجرد أقاويل ينفيها بيرلسكوني والمقربون منه, لكن في سنة 2012 ظهرت شاهدة عيان غيّرت الحسابات وحوّلت الأمر من مجرد شائعات إلى تحقيقات إعلامية وملاحقات قضائية عصفت بحياة (سلفيو) وقدّمت لرحيله الأبدي عن عالم السياسة في إيطاليا .. ولم تكن تلك الشاهدة إلا عارضة الأزياء المغربية (إيمان فاضل).
وأمام المحكمة أدلت إيمان بشهادة مفصلة حول ما يجري في حفلات برلسكوني في فيلته في ضاحية مدينة ميلانو (آركور), وقالت أنها رأت في المرة الأولى التي ذهبت فيها إلى حفلة “شابتين ترتديان أزياء راهبة تتجردان من ملابسهما أمام رئيس وزراء إيطاليا آنذاك”.
ولم تنته قصة العارضة المغربية التي كانت تطمح للعمل في المجال الإعلامي مع حفلات بيرلسكوني, ففي نسخ مسربة من كتابها ( قابلت الشيطان) الذي لم تكمله ولم ير النور بعد, وصفت إيمان تلك الحفلات بأنها “بيت دعارة, فهناك العديد من الفتيات العاريات حول أحواض السباحة, وفي كل مكان .. وبعضهن قاصرات, ويطلب منهن فعل أشياء لا يتقبلها العقل, وكان واضحا أن كثيرا منهن لا يعين (فعلياً) ما يفعلنه”.
عودة بيرلسكوني ضاعفت الشكوك
وتزامنت عودة إيمان للحديث عن هذه الحفلات (الغريبة) واستعدادها لتقديم أدلة في قضية رشوة جديدة لبيرلسكوني, مع عودته إلى الواجهة السياسية, بعد فوزه برئاسة حزبه (فورزا إيطاليا) في يناير الماضي ثم انتخابه عضواً في البرلمان الأوروبي, وتطلعه للعودة إلى المنصب الذي قضى فيه 12 عاماً , وهو رئاسة الوزراء في إيطاليا (لم ينجح وحصد فورزا إيطاليا 8.8% من الأصوات، في هزيمة تُعد الأسوأ في تاريخ الحزب).
هذا التزامن دفع البعض, وأولهم فاطمة شقيقة إيمان للقول أن موت إيمان لم يكن طبيعيا, وأنها جريمة متكاملة الأركان نفذتها ما أسموه (قوى الظلام التابعة لبيرلسكوني) لإسكات المغربية البالغة من العمر 34 عاماً ومنعها من الحديث أكثر عن الحفلات الماجنة في لومبارديا.
علاقة إيمان بالجاسوس الروسي
ويعقد المعتقدون بفرضية “قتل إيمان بالسم” مقارنة بين مظهرها وهي في آخر أيامها والصور المروعة للجاسوس الروسي السابق ألكسندر ليتفينينكو, الذي قضى في لندن عام 2006 عمر يناهز 43 عاماً , ووجهت تهم للمخابرات الروسية بتسميمه باستخدام مادة البولونيوم-210 المشعة، التي يعتقد أنه تناولها في كوب شاي.
وفي تقرير نشرته صحيفة (دايلي مايل) البريطانية, يروي كوزيمو باسكوالون صهر إيمان اللحظات الأخيرة في حياتها : ” غطت جسدها كدمات أرجوانية اللون, وظهرت ترسبات صفراء في عينها وتحت أظافرها .. ومجملا كنت كأنني أرى شخصا آخر غير إيمان التي أعرف .. وكأن بهجة الحياة فارقتها وتركتها جسداً خاوياً”.
وأضاف : ” التسمم كان واضحاً, فعندما حاولت الدخول إلى الغرفة التي كانت تنام فيها لمساندتها منعني الأطباء خوفاً من إصابتي أيضاً ببعض المواد المشعة السامة الموجودة في دمها”.
ولم تكن هذه الاتهامات بعيدة عن الصحافة, فبعد الوفاة بخمسة أيام ذكرت صحيفة (كورييري ديلا سيرا) الإيطالية نقلا عن مصادر لم تكشف هويتها “وجود مزيج من المواد المشعة التي ليست عادة قيد التداول في السوق”, فيما صرحت باولو سيفسي محامية المتوفاة أن الأخيرة صارحتها قبل إصابتها بخوفها من التعرض للتسمم.
التقارير الرسمية .. وصف دون إدانة
ووفقاً للتقرير الطبي الرسمي للقضية الصادر , والذي نشرته الصحيفة البريطانية فإن ” إيمان أحست بمغص وألم بعد تناولها الغداء مع محاميتها في الـ13 من شهر يناير 2019, عندما كانا يجهزان أمر شهادتها في قضية رشوة ضد بيرلسكوني.
وفي مساء ذلك اليوم, وبحسب شهادة رفيق سكنها جون بيسانو , فقد تناولت سلطة وعصير, لكن حالتها تدهورت بعد ذلك بشكل كبير الأيام التالية.
ويستمر بيسانو قائلاً : “لم تستطع النوم في الأسبوعين التاليين, وكانت تتعرق كثيرا, وعانت من آلام مبرحة في العضلات, وخفقان سريع في القلب وضعف عام في الجسم”.
وفي الـ29 من شهر يناير نقلت إيمان للمستشفى, وأخبر الطبيب عائلتها باحتمالية تعرضها للتسمم.
وتبعاً للفحوصات والتحاليل التي أجريت للمتوفاة, فإن سوائل جسدها احتوت على نسب عالية من عنصري الكادميوم والأنتيمون المشعين”.
وأوضح التقرير أن عنصر الكادميوم المستخدم في البطاريات والمفاعلات النووية يسبب تلفاً لعضلات الجسم والكلى والجهاز التنفسي إذا تواجد بنسب مرتفعة, فيما يسبب الأنتيمون في مشاكل لعضلة القلب.
وأرجع سبب الوفاة إلى أنيميا حادة, لأن نخاع العظم لم يعد قادراً على تصنيع كريات دم حمراء, وهذه الحالة تحدث بسبب التسمم الإشعاعي أو بعض الأدوية والمبيدات الحشرية.
من جهتها خلصت تحقيقات الشرطة إلى عدم وجود جناية في الأمر, لانعدام الأدلة على ذلك.
طلب تشريح جديد
لكن في الأسبوع الماضي أعادت أسرة إيمان طلباً للنيابة الإيطالية لإعادة تشريح الجثة وإجراء تحاليل وفحوصات (بشكل مستقلا, أملا في معرفة السبب الحقيقي للوفاة (وفقاً لزعم أفراد الأسرة), ويعد هذا الإجراء عدم اعتراف من عائلة إيمان بالنتائج التي توصلت لها السلطات الإيطالية سابقاً.
وقالت فاطمة فاضل (الشقيقة الكبرى لإيمان) في أول ظهور على وسيلة إعلامية الأحد الماضي : ” مؤكد أنها توفت بعد تعرضها للسم بشكل متعمد, لم تعان من مرض سابقا ويستحيل أن تفكر في الانتحار.. لقد كانت تنظر إلى المستقبل بتفاؤل, وانضمت مؤخرا إلى فصل لتعلم اللغة الإنجليزية لأنها كانت تفكر في الانتقال للعيش في الولايات المتحدة”.
وتتذكر فاطمة التي تعيش في سويسرا, لحظة سماعها خبر وفاة أختها للمرة الأولى : ” كنت في نيوشاتال (سويسرا) مع ابني المريض, بينما كان زوجي كوزيمو باسكوالون مرافقا لها, وفي الأول من مارس هاتفني زوجي قائلاً أنه يجب علي الحضور بشكل عاجل وفي ظرف 30 دقيقة”.
وتستمر متذكرة : ” أحسست أن شيئا خطيرا حدث, فتوجهت بسرعة إلى مدينة ميلانو, حيث يقع المستشفى الذي تتلقى فيه إيمان علاجها, وعندما دخلت قابلني كوزيمو وعيناه تدمعان .. وعرفت كل شيء , ولم تعد الأرض تحملني فجثوت على ركبتي .. لم أكن أصدق أنها ذهبت ولن تعود, فقبلها بيوم أخبرتني أنها ستحدثني غداً”.
في طريقها إلى بيرلسكوني
ويقود سيل الذكريات فاطمة إلى عشر سنوات مضت, عندما قررت إيمان المنتمية إلى عائلة مغربية هاجرت إلى تورينو الإيطالية, الانتقال للعيش مع شقيقتها في مدينة ميلانو, وكلها أمل في ولوج عالم الإعلام الرياضي, خاصة وأنها مهوسة بكرة القدم.
لكن صعوبة الحصول على تلك الوظيفة دفعت الفتاة البالغة من العمر 24 عاماً إلى العمل مؤقتا كعارضة أزياء ومضيفة حفلات, لتسير على خطى أختها الكبرى.
وتضيف فاطمة أن إحدى تلك الحفلات جمعت أختها بإيميليو فريد, الشخصية الإعلامية الإيطالية الشهيرة والصديق المقرب من بيرلسكوني, وهو الذي اقترح عليها مقابلة سلفيو, للحصول على وظيفة في إحدى قلاعه الإعلامية.
” كان عرض فريد مغريا بالنسبة لإيمان فوافقت دون تردد” هكذا تسترسل فاطمة, وتتبع باتهام فريد بالكذب على أختها, لأن عرضه لم يكن إلا طعما لاستدراج إيمان إلى حفلات بيرلسكوني والإيقاع بها.
هل كانت إيمان أولغاتينا ؟
وتردف الأخت المكلومة : ” في كل مرة تعود أختي من إحدى الحفلات توقظني وتحكي لي قصصا لا يصدقها العقل عن حفلات باذخة تقام في قصور وأماكن سرية, بها تماثيل لآلهة إغريقية, وتشهد تصرفات واستعراضات (معيبة) لفتيات – بعضهن قاصرات – يدفع لهن مقابل ذلك”.
وتؤكد أن إيمان أخبرتها عن تسليم بيرلسكوني تلك الفتيات (باليد) ظروفا تحوي مبالغ مالية ومجوهرات أحياناً, وتشدد على أن أختها حضرت فقط لتتعرف على بيرلسكوني بغية العمل كصحافية رياضية, وأنها لم تشارك يوما في تلك العروض.
وتنفي فاطمة بشدة لقب (أولغاتينا) الذي توصف به فتيات حفلات بيرلسكوني عن أختها, وتقول : “هو كان يرغب في رؤيتها ضمن فتياته, وعرض عليها آلاف الدولارات, لكنها لم ترض.. وأخبرته أنها لا تريد أن تفعل ذلك”.
وبعد أن يئست من إمكانية حصولها على مهنة في إحدى قنواته, توقفت إيمان عن حضور تلك الحفلات وامتنعت عن مقابلة بيرلسكوني, وفقاً لقول شقيقتها.
من هي إيمان فاضل؟
في الثانية من عمرها هاجرت أسرتها من المغرب لتقيم في تورينو الإيطالية, وبعد أن أكملت دراستها اتجهت للعيش في مدينة ميلانو (عاصمة الموضة الإيطالية) مع شقيقتها فاطمة وامتهنت عرض الأزياء كما أسلفنا.
لاحقا ذكر اسمها في بعض الصحف الإيطالية اسمها كواحدة من اللاتي يحضرن حفلات بيرلسكوني كـ(أولغاتينا), وبدأ الصحافيون يتابعونها في كل مكان أملاً في الحصول على تصريح يخص تلك السهرات الماجنة.
دخلت العارضة المغربية في اكتئاب وفقاً لشهادة أهلها, ونعود لشقيقتها فاطمة التي وصفت تلك الفترة من حياة شقيقتها بالقول : ” أصبحت تحب الوحدة, وأصيبت باكتئاب .. رفضت الخروج من البيت, وكنت أخرج صباحا للعمل ثم أعود مساء لأجدها في نفس مكانها , وحياتها كانت تتعقد باضطراد”.
لكن ذلك كان بداية لانفراجة جديدة, فوفقاً لشقيقتها بدأت إيمان تخرج من دائرتها المغلقة تلك, وقررت أن تنهي حالة الصمت وتبريء اسمها, وتقول الحقيقة كما هي.
وافقت إيمان على التحدث للصحافة وأخبرتهم بما شاهدته (أو زعمت أنه حدث) وقبلت الشهادة في المحكمة بشأن ذلك, ولم يثنها مليون يورو عرضه عليها بيرلسكوني مقابل الاستمرار في الصمت, كما تزعم عائلتها.
وتضيف فاطمة أن أختها استطاعت إثبات برائتها مما وجهته لها الصحافة الإيطالية , وحصلت على 400 ألف يورو كتعويضات مالية على تشويه سمعتها.
المواجهة الأخيرة لم تكتمل
ودرءاً لمشاكل قد تحدث, عرضت الأخت الكبرى على إيمان الانتقال للعيش معها في سويسرا, لكن إيمان أجلت الموضوع إلى حين الانتهاء من عملها مع بيرلسكوني.
وكانت تقصد بعملها الكتاب التي انكبت على تأليفه في آخر سنة من حياتها واختارت له عنوان (قابلت الشيطان), وحاولت فيه أن تظهر للعالم أي نوع من الرجال هو بيرلسكوني, كما قالت فاطمة.
وفي 1 مارس الماضي أعلن المدعي العام في ميلانو فرانشيسكو غريكو إن إيمان فاضل أدخلت توفيت بعد أنقضت شهراً كاملاً في المستشفى, وبعد إجراء الفحوصات والتحقيقات الرسمية سلم جثمانها إلى عائلتها التي رفضت نتائج التحقيقات , وقالت الأسبوع الماضي أنها مصرة على إجراء تشريح جديد تحت إشراف لجنة محايدة , وصرحت : ” لن نجعل الأمر يسير إلى النسيان .. لابد أن نظهر الحقيقة , لأن ذلك سيكون أفضل تكريم لذكراها”.
بيرلسكوني مستمر في نفيه
من جانبه, ظل بيرلسكوني ينفي منذ سنوات, مجرد معرفته بإيمان, وأعاد على أسماع ناخبيه في يناير الماضي ما قاله في المحكمة قبل سنوات : “تبدو إيمان شخصية ساحرة وجذابة .. لكنني لا أعرفها ولم أقابلها يوماً في حياتي”.
وبعد وفاتها في الـ17 من شهر مارس 2019, كرر رئيس وزراء إيطاليا السابق نفيه لوجود أية معرفة مع إيمان وأضاف : ” من المؤسف دائمًا أن تموت وهي في مقتبل العمر.. وما قرأته عن تصريحاتها بشأني مخترع وسخيف”.