بالحبر السري
———
بقلم: علي الدلالي
……….
السودان يسقط في دوامة دول جوار
————
تابعنا الخميس الماضي قمة لدول جوار السودان استضافتها القاهرة في الوقت الذي كانت فيه أصوات التفجيرات المدوية والتراشق بمختلف أنواع الأسلحة وأزيز الطائرات الحربية والمسيرة تدك أحياء الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان ومدن سودانية عدة، ما جعلنا نتكهن بأن أزمة السودان ستطول كثيرا، للأسف الشديد.
لا نشك في أن نوايا ومقاصد معظم دول جوار السودان في وضع حد لهذه الحرب العبثية الدموية على خلفية الصراع على السلطة والنفوذ، شأنها شأن كافة الصراعات في الدول الأفريقية، والوصول إلى وقف الدمار والخراب وهدم البيوت، وإسكات التفجيرات ورصاص قتل السودانيات والسودانيين وتشريدهم في الداخل والخارج، ونهب المؤسسات، غير أنها هي الأخرى، (دول الجوار)، تعاني مشاكلها الخاصة ولا تملك بالتالي أية مفاتيح فعلية للتأثير على الجنرالين المتناحرين ومن خلفهما من المحرضين على العنف والقتل، و لا على الدول المتدخلة بقوة في الشأن السوداني للحفاظ على مصالحها وتوسيع نفوذها في هذا البلد.
إن دول الجوار الجغرافي التي اجتمعت في “قمة” في القاهرة يوم الخميس الماضي، تعاني بالفعل أوضاعا صعبة، فمصر مفلسة والشارع السياسي المصري محتقن والشعب يشكو لهيب الأسعار والإنهيار غير المنضبط للجنيه المصري، ليبيا مشتعلة ومنقسمة وقرارها مصادر، تشاد متأزمة سياسيا وعسكريا والشعب يعاني أوضاعا معيشية صعبة، أفريقيا الوسطى محترقة والشعب يعاني الجوع والمرض في حين يسيطر مرتزقة فاغنر على موارد البلاد، أثيوبيا بساكنتها التي تتجاوز 120 مليون نسمة خرجت مؤقتا من حرب مدمرة في إقليم تيغراي لكن النار لا تزال تحت الرماد ومتورطة في حروب مؤجلة، أريتريا تحت قبضة حديدية يواجه شعبها الجوع والأمراض وجنوب السودان يعيش احتقانا سياسيا وعسكريا وأمنيا وحربا مؤجلة والشعب يواجه أوضاعا كارثية وفي حاجة ماسة إلى الطعام.
نعتقد أن دول الجوار الحقيقية التي يتعين أن تجتمع بشأن الصراع المدمر في السودان هي المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة اللتان تتنازعان النفوذ والسيطرة على موارد السودان وتسكبان الزيت (وعندهما منه الكثير) على النار في هذا البلد.
ترى السعودية، التي جرت السودان إلى حربها في اليمن، والإمارات التي جرته إلى اتفاقات إبراهيم، في الحرب السودانية فرصة لدعم مكانتيهما كقوة مهيمنة في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي، حيث تعمل الرياض وأبو ضبي منذ سنوات، بفعل تكدس الثروات فيهما على البحث عن مناطق لتدوير هذه الثروات من خلال عمليات ظاهرها الاستثمار وباطنها الهيمنة على موارد الدول الهشة المستهدفة، كالموانئ والمطارات والأراضي الصالحة للزراعية والعقارات والمناجم وغيرها.
صُنعت الأزمة السودانية سياسيا خارج السودان وبدأ صانعوها دحرجتها مثل كرة الثلج إلى أن أوصلوها إلى حرب مدمرة ودموية تواجهت فيها بنادق سودانية مع بنادق سودانية أخرى في العاصمة الخرطوم، والخرطوم بحري وأم درمان، حيث حوصر آلاف المدنيين في مرمى النيران المتبادلة بين الجيش السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب بـ (حميدتي) قبل أن تمتد إلى مناطق سودانية أخرى وباتت تشكل تهديدا مباشرا لكافة دول الجوار المرهقة والمثقلة جميعها بمشاكل سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية ولمنطقة القرن الأفريقي أيضا.
جاء البيان الختامي لهذه القمة هزيلا كعادة مثل هذه القمم حيث لم يخرج عن إطار الإعراب عن القلق البالغ من تدهور الأوضاع الإنسانية بسبب استمرار القتال الذي نتج عنه زيادة أعداد النازحين والفارين، وكشف، ذرا للرماد في العيون، عن وضع خطة عمل تتضمن وضع حلول عملية قابلة للتنفيذ لوقف القتال.
نظريا يمكن لدول الجوار أن تساعد الجار المتأزم ولكن تجربتنا في ليبيا مع عديد اجتماعات دول جوارنا التي كانت جميع قراراتها مجرد حبر على ورق بل أرخص من ثمن الحبر الذي كُتبت به حيث لم تقدم أو تؤخر
في الأزمة الليبية شيئا طيلة السنوات الماضية، وقد تكون زادت من تعقيداتها لتضارب مصالح تلك الدول الضيقة، ما يجعلنا متشائمين حد التطرف من اجتماع دول جوار السودان الذي استضافته القاهرة.