منصة الصباح

الموزة وسيرتها الأولى

عدنان بشير معيتيق

كنت سأتجاهل موضوع قصة الموزة التي بيعت بمبلغ 120 ألف دولار في أحد المعارض الفنية، لأن الأمر عادي جدا وعرضي ومتكرر في مشهد الفنون العالمية المليء بالطفرات الساعية للشهرة، منذ أن بدأت بالظهور فكرة الفن القابل للزوال، والفن السيء والفن الساذج والتافه والثقافة الهابطة، وغيرها من حركات كانت تختبئ في بعضها وراء الاختلاف والرؤى المتقدمة والمتجاوزة لعصرها وعدم فهمها من العامة؛  رغم خطاب بعضها الآخر الجاد والمدرك لمفهوم فن الفكرة « المفاهيمي»، وما كان يدعو إليه من تهميش سوق الفن والتعامل مع العمل الفني على أساس العقل لا الوجدان.

لكن الموزة نجحت في الكشف والتعرية عن مواطن الهشاشة والضعف عند الكثير من الفنانين عندنا الذين ظهروا علينا بدفاعهم المُستميت عن هذا العمل واستشاطوا غضباً من كل الذين انتقصوا أو عارضوا، أو استهجنوا هذه الفكرة، وكأن هؤلاء الفنانين شركاء أصيلين في مشروع فنون الغرب، ولا يدركون أن الغرب نفسه مفتوح على الاختلاف وحرية الرأي وتقبل الآخر بكل ثقافته وتصوراته، والعمل الفني للموزة يندرج تحت فنون ما بعد الحداثة، التي قلنا إنها تستهجن كل أفكار الفنون الحديثة التي سبقتها في الظهور، وكانت ملتزمة بشروط السوق والعرض والمقاييس الفنية المعروفة منذ بداية القرن العشرين، إلى أن ظهرت تيارات البوب آرت وفن الحد الأدنى وفنون الهامش والفنون الاستعراضية، ولا أحد يعترض على أن هذه الموزة ليست من فنون ما بعد الحداثة التي تندرج تحت مصطلح أكبر وأشمل وهي فنون معاصرة، ولكن الأمر يتعلق بنضوج الفكرة وقيمتها الفنية من عدمها.

, الفكرة كانت من الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان الذي صمم العمل وقام فنان آخر بأكل الموزة المعروضة وعلى أساس عرض فني لفنان جائع، فالموزة رجعت لسيرتها الأولى وهي موزة للأكل، ولا تساوي قيمتها التي تم بيعها بها، فالأمر ليس بإبداع ولا يساوي كل هذا الضجيج والنحيب المصاحب لها حتى يفقد الكثير صوابه ويخلط الأمور بوصفه للفكرة «الموزة» على أساس أنها فنون معاصرة لا يفهمها إلا النخب؛ بل نخب النخب أو صفوة الصفوة من المثقفين والعارفين بأمور الموز والبطيخ من الفن الجديد.

شاهد أيضاً

مغارة كاباو..

اكتُشفت مغارة كاباو حديثاً وبالصدفة.. وتقع في إحدى نواحي مدينة كاباو تسمى “الخنقة”.. وتقع مدينة …