*المثقف يزدري المجتمع والمجتمع ينبذه في المقابل
*التحقيروالاحتفاء موجودتان أيضًا عند معظم مثقفي العالم
*لم ينجب التاريخ مثقفًا محايدًا حتى الآن
مامدى تاثير المثقف العربى فى بيئته المجتمعية هل عجز ام عجز عن احلال تاثير ما وكيف يراهن هذا المثقف في ذات الوقت على قيادة ابناء مجتمعه وهو الذى يحمل في ادبيات خطابه الابداعي دلالات ازدراء و احتقار للمجتمع ؟!…لاريب بان المثقف بوجه عام مهما ترقى في سلم السمو و تجلى فى سموات الابداع يظل ابن بيئته المخلص فقد تاثث وعيه الاول بمفرداتها وظروف اتصال ذلك بالعوامل الاقتصادية والسياسية لتترعرع بذوره تحت سطوتها المطلقة ونحن في هذا الصدد لا نتناول علاقة المثقف بالسلطة وان تداخلت فى الدور التاثيري للمثقف كعائق يحول دون انجاح مشروع بقدرمانتناول حالة الفصام التى يعانى منها المثقف مع واقعة الاجتماعى و تمثلاته التاريخية ….
والمرء ما أن يُطالع أول كتاب ويخطّ باكورة حروفه الأولى حتى يتأصل في باطن جلده فكرة تبدو هشّة من الخارج لسذاجتها وهي أنه قد صار بإمكانه تغيير العالم و مخوّل بمسؤولية تغيير وجه التاريخ لا محالة، وفي ضوء دغدغة هذه الفكرة لجوارح مخياله يبني المثقف العربي مشروعه الابداعي في الشعر وفي الرسم وفي النحت وفي الفلسفة، تتفاوت درجات ذلك ما بين النرجسية المطبقة وما بين الانفتاح النسبي على الآخر، مثل محاولاته المستميتة للتحرر من سطوة العرف الاجتماعي، بيد أنه طوال مسيرته الابداعية يزداد رسوخًا بأن المجتمع لن يشهد ميلاد التغيير إلا إذا توخى جملة من المعايير والاشتراطات التي من شأنها أن تستوفي عملية التغيير المنشودة، وهو إزاء كل ذلك متورط في صراع حامي الوطيس ثنائيته قيم الأسلاف وواقعها المتجذر وتطلعات المستقبل فهو من جهة يطرح نفسه كبديل استراتيجي وموازي لأدوات السلطة الكلاسيكية لقيادة الجموع ويرى أن الناس جديرون بالتغيير والتقدم، إذ رأيناه إبّان ما أطلق عليه بثورات الربيع العربي كيف كان يتحدث عن ثقته المفرطة في إرادة الجماهير وقدرتها على إحداث التغيير ومن جهة أخرى وفي مناسبات مختلفة لا يتوانى عن التسخيف من قدرات هؤلاء الجماهير ويطنب في إزدراء سلوكياتهم التي يجد هو نفسه «أنكر أو لم ينكر» أنه جزء منها ومن تعقيداتها المتشابكة، فنراه في أغلب الأوقات يسير في سلوكه تبعًا لنهج المجتمع الذي لا يألوا جهدًا في تجهيله والحط من قيمه عبر كتاباته ومنتوجه الفكري … مما يجعلنا نقف أمام سؤال مهم وهو هل من مَخرج للمثقف العربي ينتشله من محنته هذه ؟
استطلاع : مهند شريفة
حول هذا الموضوع رصدنا هنا أراء مختلفة ووجهات نظر متنوعة لثلة من المعنيين بالشأن الثقافي والمهتمين به ….فلنقرأ
عبد الوهاب العالِم : كاتب صحفي ليبي
لا أدري … إنما أجدني متحفظًا على موضوع المثقف « العربي» باعتبار أن ليبيا بلد متنوع وإفريقي بالأساس كما أن ظاهرة التحقير- الاحتفاء موجودة أيضًا عند مثقفين من بلدان إفريقية أخرى وبلدان أمريكا الجنوبية …فهي ظاهرة تشمل كل بقاع دول العالم الثالث، وهذا أيضًا تعميم ليس بصائب كون أن المثقف أينما كان يظل في المحصلة انسان مواطن وجزء من ثقافته المجتمعية التي ينتمي إليها، وبالتالي نجده يقيّم ويحكم ويعبّر عن المواقف والأحوال التي تتوفر وتتنامى في بلده الأم أو التي تستوجب في بعض الأحيان الاحتقار والتهكم أو نراه يحفزهم ويحثهم على خوض الحروب …ومن هذا المنطلق يجعلنا نرى المثقف كما هو مواطن ناشط في حيّزه المجتمعي من خلال الثقافة العامة ..إذًا هنا الأسلوب/طريقة العرض/ اللغة وما نحو ذلك كل هذه عوامل غير مهمّة بقدر امتلاك المثقف لمشروع شمولي واضح الملامح …وعلى الرغم من ذلك فلا بأس بانتقاد مواقفه التي تنطوي على صور الاحتفاء أو الاحتقار للجماهير ومحاسبته عليها .
ناصر عراق : روائي وكاتب مصري
حسب قناعاتي الفكرية، لم ينجب التاريخ مثقفا محايدًا حتى الآن، ولن ينجب، فالتاريخ يؤكد لنا أن المثقف دومًا رجل ينحاز، رجل صاحب موقف، حتى وإن توارى هذا الموقف خلف عبارات رنانة وتعبيرات غامضة. والسؤال: ينحاز المثقف إلى ماذا ومَنْ بالتحديد؟
لكن قبل الإجابة عن هذا السؤال علينا لفت الانتباه إلى أمر بالغ الأهمية ينساه الكثير من الناس، وهو أن الشعب، أي شعب، ليس كتلة واحدة تجمعها مصالح مشتركة، وإنما كل شعب يتكون من عدة طبقات متناقضة المصالح في المقام الأول، وفي عالمنا الثالث، تملك على الدوام طبقة قليلة العدد السلطة السياسية والمال والنفوذ، وربما التعليم المتميز، وتترك الملايين يكابدون الفقر والهم والجهل والمرض، وبالتالي ستعمل تلك السلطة على تعظيم مصالحها وأرباحها على حساب مصالح الغالبية المنهوبة.
إذا كانت هذه الرؤية صحيحة، وأظنها كذلك، فإننا نستطيع الإجابة من خلالها على سؤال المثقف، حيث يجب أن نحدد، أي مثقف بالضبط؟ هل المثقف الذي ينحاز إلى أصحاب السلطان، فيروج لضلالاتهم ويمتدح قراراتهم التي تضر بغالبية الشعب؟ أم المثقف الذي ينتصر لأحلام الملايين ويعمل معهم على فضح بطش الحكام وجشعهم، وربما غبائهم؟
لذا يظل تعبير (المثقف العربي) مصطلحًا منقوصًا، لأنه لم يحدد أي مثقف؟ مثقف السلطة القاسية الغليظة أم مثقف الناس المكافحين البسطاء؟ مثقف يكيل الثناء للحاكم وقراراته حتى لو كانت هذه القرارت تضر بحقوق الأهالي؟ أم مثقف يقف بالمرصاد ضد نزوات الحاكم وبطشه واستبداده وهو يعلم تمام العلم أنه قد يتعرض للبطش والسجن وربما الموت؟
من هنا نستطيع أن نفسر تعالي بعض المثقفين على الشعب، إنهم أولئك المثقفون الذين قرروا الانحياز إلى السطان بحثا عن ذهب المعز أو خوفا من سيفه. لذا تجدهم دومًا يحمّلون الشعب أوزار الأخطاء الكبرى التي يرتكبها حكامهم، فإذا ثار الناس ضد الفقر والبطش، هددوهم بأنهم يعملون على إسقاط الدولة! وإذ طالب الملايين بحقوقهم في حياة حرة كريمة لائقة، قالوا لهم: إن الحاكم يبذل قصارى جهده من أجلكم، ولكن مواردنا شحيحة، وأنتم من كل حدب تنسلون!
وهكذا لا يستحي هؤلاء المثقفون عن كيل التهم للشعوب بسبب تخلفهم وفقرهم، متجاهلين أن الشعوب مجرد عجينة لينة في يد الحكام، فإذا كان أولئك الحكام يحملون رسالة جادة وطيبة نحو تطوير بلدانهم وشعوبهم ارتقوا بالناس إلى ذرى سامقة، أما إذا كان الحكام مجرد طامعين في السلطة والمال خسفوا بشعوبهم الأرض وعذّبوهم وبصقوا عليهم!
والمثقف إما مع الحاكم النبيل، أو خلف الحاكم الوغد.
فاطمة رحيم : شاعرة مصرية
أعتقد بأن من يحتقر الشعوب أو يقلل منها غير مثقف بالمرة خصوصاً ان بعض الأفراد من الشعوب ينال منها الخوف بسبب المعتقالات والتعذيب وليسوا بالأعداد القليلة وهذه الفئة الصامتة.. ومنهم من يقف مع الأنظمة لجهله أو لأن مصلحته معهم.. لكن وضع الشعب كله في كفة واحدة واحتقاره او اتهامه بعدم القدرة على التغيير أعتقد ان هذا سوء فهم وقلة ثقافة.. التغيير بحاجة للمجازفة والمخاطرة والإرادة القوية لكن دائما القمع يواجه هذه الفئة من الشعوب.. وهؤلاء أشخاص يواجهون الرصاص بينما الذي يحتقرهم ويقلل منهم يتحدث من مكتبه لا من الشارع.
محمد النعّاس : قاص ليبي
التقدير في هذه المسألة صعب إنما من واقع خلفيتي والنظرة خاصتي وتحديدًا فيما يتصل بالحالة الليبية، المثقف الليبي لا يملك تأثير (خلي نقولوا كبير) علي بيئته، بل على العكس تمامًا، المجتمع يؤثر فيه بإزدراء وسخرية من كونه «مثقف» أصلاً، هناك بعض الآثار الجانبية التي خلفها المثقف الليبي في المجتمع الليبي لكن قدرة التأثير هذه تقع علي تأثيره على الشريحة الجديدة من المثقفين اللذين جاؤوا لاحقًا مثلاً ( كالصادق النيهوم وتأثيره على شريحة كبيرة من الشباب المثقف اليوم). وغالبًا التأثير يكون على السلطة والحكومة (وهذا أيضًا أمر معقد ويصعب على المرء تناوله بسهولة وجزم)، إنما يظل التأثير على الورق لا غير. خصوصاً أن المثقف الليبي حتى الآن لم ينجح في إقناع السلطات المتعاقبة بضرورة توفر الأدوات الثقافية مثل المسرح والسينما وغيرها.
المجتمع وحسب مشاهدتي وتجاربي، لا يقبل الإنسان المثقف (طبعا عندي ملاحظات أصلا على كلمة مثقف بس مش هذا موضوعي الآن)، بقدر ما يعتبره إنسان ينفخ في الريح، وفاشل لا يملك الأدوات التي تجعل منه عضو ناجح في المجتمع، على عكس بلدان مثل مصر، التي نجد فيها حتى المجتمع البسيط الذي لا يتصل بعلاقة مباشرة بالفكر يُكن احترام ما للمثقف ( ما تلقاش مصري يتهزا علي حد ويقوله يا متاع الكتابات)، بينما الليبيين لو علموا أنك تكتب أو تهوى مطالعة الكتب فلا ينفكون عن الاستهزاء بك وينظرون على أن ما تفعله أو تمارسه مدعاة لهدر الوقت .
هذا ما يدفع بالعلاقة إلى منطقة الاضطراب بين المثقف الذي ينظر المجتمع مع الوقت بنظرة فوقية ونظرة ازدراء، وبين المجتمع الذي لا يكترث لوجوده في الأصل. العلاقة سببية ودائرية في آن الوقت، بمعنى آخر أن المجتمع يخلق للمثقف البيئة المنعزلة التي وجد فيها، وهو بالتالي يخلق صورة لنفسه على أنه فوق المجتمع ويعمل كالمرشد (المثقف الليبي في الغالب يتبنى أساليب شبيهة بشيخ الجامع) فيتكلم بفوقية، ويزدري المجتمع فيعزله وهكذا.