بقلم: علي الدلالي
رافقت الأسبوع الماضي، أخي وصديقي المدير العام لوكالة أنباء عمـوم أفريقيا، د. بوبكر فال، إلى عديد الأنشطة والحوارات التي توجت أيام طرابلس الإعلامية وتخلل إحداها حفل غداء رسمي على شرف الضيوف ومعظمهم من دول شقيقة وصديقة.
كانت وجبة الغداء غريبة عن كل ما هو ليبي عموما وطرابلسي تحديدا في كل شيء، في حين أن الفرصة كانت جد مواتية للتعريف بالمطبخ الليبي وعاداته وتقاليده مثلما تفعل كافة الدول في هكذا مناسبات، خاصة ونحن بصدد الحديث عن حدث إعلامي رفيع، ما دفعني إلى استحضار موقف تلك اللجنة الخاصة التابعة لليونسكو التي استثنت ليبيا من طبق “الكسكسي”.
بالفعل كانت اللجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو” أدرجت نهاية عام 2020 مجموعة عناصر جديدة ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي من بينها طبق “الكسكسي” المعروف في بلادنا منذ الأزل دون أية إشارة في القائمة إلى ليبيا كإحدى الدول الشهيرة بهذه الأكلة التقليدية العريقة.
إلى ذلك لفت انتباهي على قائمة الطعام في تلك المأدبة طبق الحلويات، أو “التحلية” بلغة المطاعم، الذي اشتمل على 6 أصناف (أكرر ستة أصناف) أساسها السكر والدقيق واللوز والفستق وجميع تلك المواد مستوردة من الخارج وحتى الذي صنعها أكاد أجزم أنه من جنسية أجنبية.
وعود على السكر، تقول بيانات منظمة السكر الدولية أن ليبيا تستورد ما بين 300 و400 ألف طن سنويا من السكر لساكنة لا تتعدى 7 ملايين نسمة وهي كمية كبيرة جدا مقارنة بعدد السكان.
معظم الضيوف الأجانب هم من كبار السن لم تذهب أيديهم إلى طبق “التحلية” وبالتالي بقيت تلك الأطباق تئن بما حوته من أصناف مختلفة من الحلويات والله أعلم بمصيرها.
في هذا الفصل تحديدا تتوفر بلادنا على أصناف لا مثيل لها من البرتقال، “البوصرة والتروكي والحسنة والكيني”، وأصناف ممتازة من الدقلة منها، بحسب العارفين، دقلة “حليمة” التي تضاهي أجود أنواع الدقلة في العالم، وكان يتعين على المنظمين الطلب من متعهد الطعام تقديمها إلى الضيوف ضمن قائمة الطعام بدل تلك الحلويات الشرقية والغربية الدخيلة على المطبخ الليبي.
كان السيد “سكر” حاضرا كذلك في الهدايا التي قُدمت إلى الضيوف لدى مغادرتهم حيث تم تزويدهم بطبق من البكلاوة وطبق من صنف آخر لا أعرف له اسما، وكم كانت الهدية ستكون أجمل لو كانت “حليمة”. فكيف تقدم إلى ضيف من لبنان على سبيل المثال طبقا من البكلاوة !!!
شاركت، بحكم طبيعة عملي، في مناسبات عدة في الخارج وكانت الهدية الرمزية، إن وُجدت، من الموروث الثقافي للبلاد. أذكر في المغرب ذات مناسبة أن الهدية كانت قطعة صغيرة من سجاد من الصوف الناعم يسهل على المسافر حملها في حقيبته وتعمر لسنوات وما تزال تلك الهدية تحتل مكانا في بيتي. وعندنا في بلادنا مصنع بني وليد للسجاد يُنتج تحفا فنية بنقوش تقليدية ليبية جميلة حسب الطلب.
نجحت الاحتفالية بمناسبة أيام طرابلس الإعلامية تحت عنوان “ليبيا بعيون متفائلة” سواء على مستوى الحوارات أومن خلال الملحمة الفنية (الأوبريت) التي تم عرضها يوم 24 ديسمبر وهو الأهم، وفشل متعهد الطعام في تقديم المطبخ الليبي وبخاصة طبق “الكسكسي”، وهو أمر مهم كذلك، للأسف الشديد.