منصة الصباح

الفهم الخاطيء للشهر الفضيل

الفهم الخاطيء للشهر الفضيل

محمود السوكني

 

هاهو شهر المكرمات يحل علينا ضيفاً عزيزاً يتلهف الجميع للقياه وإن كان بعضنا لا يحسن مراسم إستقباله على النحو الذي يليق بقيمته وجلال حضوره . هناك فهم خاطئ لدى البعض حيال هذا الشهر الفضيل . فهو لم يعد شهرا للتآزر والمحبة والوئام والتغلب على الذات البشرية الأمّارة بالسوء ، فالأعصاب فيه مفلوته والضغائن تكشر عن أنيابها، والسواد الأعظم من الصائمين متحفز للإنقضاض وإختلاق المشاكل دون سبب يذكر ، والعذر الأقبح من الذنب ، الصوم الذي لم يعد أحدا يحتمله رغم فضائله!!

لا يقتصر الأمر على شحنات الغضب المتأججة في الصدور، هناك الإقبال المفرط على مختلف أصناف المأكل والمشرب، وكأننا لا نأكل ولا نشرب إلا في أيام هذا الشهر الكريم !!

كل البيوت، إلا في ماندر، عامرة بالموائد التي لا يؤكل أكثرها، ونلقي بها في أكياس القمامة، رغم ضيق ذات اليد وضآلة المداخيل الشحيحة التي نضج بالشكوى من قلتها، ونعزو هذا البذخ غير المبرر إلى الاحتفاء بهذا الشهر !!

تغافلنا عن روحانيات رمضان المعظم، وتناسينا أفضاله التي لا تعد، وتغاضينا عن مكرماته، وأنه شهر للعبادة والتقرب من الذات الإلهية، وشغلنا التباهي بأصناف الأكل ومجاراة بعضنا البعض، ومن يكون له السبق في إبتكار أكلة لم يعرف تفاصيلها غيره !

كل الحديث في مجالسنا ينصب على ما تم إلتهامه على مائدة الإفطار وماتلاها في وقت السحور ، ولا من يحدثك عن عباداته ، وهل أتم قراءة القرآن أو حتى بعض أجزائه، أو لبى دعوة مؤذن الجامع الذي تصدح عقيرته بأن الصلاة خير من النوم ولايسمعه  لإنشغاله في سباق محموم مع الزمن ليعبأ معدته إستعداداً للصوم  !!

هكذا يُستقبل رمضان، وهكذا نحتفي بمقدمه، ويغيب عن أذهاننا ما يكتنفه من مکارم، وما يحفل به من عبر ودروس ومعان عظيمة سنتأسف يوما على إضاعتها، وتبذير فرصتها التي قد لا تتكرر!!

الوسائط الإعلامية، تشارك بإسراف في تسفيه هذا الشهر، والإساءة إلى معانيه، بما تقذف به علينا من برامج ترفيهية تافهة تتسابق على تقديمها، ومسلسلات وضيعة تمطر بها قنواتها، ومسابقات عبثية تضخها طيلة ساعات البث لا تحمل معلومة مفيدة أو ثقافة تنويرية توقظ الذهن، وتصنيفا جديداً يستفاد منه!!

سيغادرنا هذا الشهر يوماً ،  ولكنه قطعاً سيعود، فهو باق ما بقيت الحياة على هذا الكوكب، فهل نكون في إستقباله؟ .. ندعو الله تعالى أن يمد في أعمارنا، ويشرح صدورنا، ويهدينا إلى فهمه وإغتنام أفضاله وإستيعاب دروسه والإغتراف من مكارمه، اللهم آمين.

شاهد أيضاً

عيد الوحدة الوطنية

مفتاح قناو في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي كنا طلابا في المدارس الابتدائية، وكان …