منصة الصباح

الطبيعة تُعوِّض فقدانها

متابعة وتصوير / مهنّد سليمان

ترهونة تلك البلدة التي ماتزال تحافظ على شيء من رونقها الريفي والبوابة الجنوبية لمدينة طرابلس لطالما تردد اسمها وشاعت فضائلها في سائر البلاد، ترهونة المتكئة على رُبى تؤثثها أشجار الزيتون وتحفها لطائف الخريف الوادعة، هكذا هي تبدو بعيدة رغم قربها مشتبكة بضفائر الطبيعة وتماس مِدادها، وكان لابد من المرور بعين الشرشارة أو لنقل ما تبقى منها فقد نضبت العين وجف مجراها قبل حوالي عشرون عاما بسبب حفر الآبار الجوفية وتحوير مسار العين إليها، بيد أن أمراً عجيبا استوقفني أخبرت به صديقي الشاعر «عبد الحكيم كشاد» وهو أن الشجيرات التي تحف مجرى مصب العين تُصدر حفيفا ًيحاكي بصورة مذهلة صوت خرير الماء وكأن الطبيعة تُعوِّض فقدانها وتُرتق شرخ عطشها حتى يخيل للمرء للوهلة الأولى بأن ماء العين لازال ينساب تدفقه من بين أخاديد الصخور.

وبرفقة الأصدقاء والزملاء في صحيفتيّ الصباح وفبراير قضينا نصف يوم أثناء زيارتنا لهذه البلدة، وذلك صباح يوم الخميس 6 أكتوبر 2022م، متدثرين بالمحبة وصدق الصُحبة، محطتنا الأولى كانت للمركز الثقافي التابع لوزارة الثقافة والتنمية حيث التقينا بمديره السيد «أسامة الغرياني» فتجولنا بمعيّته داخل أروقة المركز ومكتبته العامرة، وحدثنا عن حجم الإهمال والتهميش الذي يعانيه المركز من قبل الجهات المسؤولة لاسيما وزارة الثقافة والهيئات المنبثقة عنها، ووقفنا على واقع المركز المزري المُشيّد منذ عام 8691 من القرن الماضي وانقطاع قنوات الدعم والرفد لسنوات طويلة.

المركز الثقافي معزول عن التفاعل

وتبعا لما شرح لنا السيد أسامة بأن المركز معزول بشكل كبير عن التفاعل الثقافي بالبلاد فلا تصله الصحف ولا المطبوعات، ثم قمنا بالتوجه لمحطتنا التالية وهي راديو الشروق أو إذاعة ترهونة المحلية التقينا فيها بعدد من المشتغلين بها فيما قدم لنا أحد الفنيين بالإذاعة شرحا وافيا عن الخارطة البرامجية التي تعتمدها الإذاعة خلال ساعات البث وهي متنوعة تلبي جميع الأذواق للمستمعين على اختلاف مستوياتهم وخلفياتهم الثقافية والموسيقية، ومن ثم توجهنا بالزيارة لمقر المجلس التسييري لبلدية ترهونة واجتمعنا مع رئيسه السيد «محمد الكشر» الذي غمرنا بترحابه وحسن ضيافته، لينطلق حديثه ذو الشجون مستطردا حول الواقع الخدمي والتنظيمي السيء بالإضافة للحالات والوقائع المفجعة للجرائم التي ارتكبتها التشكيلات المسلحة في البلدة قبل سنتين بحق المدنيين والعُزل.

تردي الخدمات داخل نطاق البلدية

فيما بيّن الكشر من جانبه بأن ترهونة كانت أرضا خصبة منذ القِدم فمزارع العنب والزيتون يعود تاريخها إلى عهد الرومان وتابع : لكن نظرا للتهميش الممنهج والتفرقة المجتمعية ونبذ الرابط القبلي والاجتماعي تراجع العمل على ترهونة منذ مرحلة المملكة وصولا إلى تاريخ اليوم رغم أن بلدية ترهونة تعد البوابة الجنوبية للعاصمة إنما تظل تعاني الكثير جراء تردي المنظومة الخدمية، فنحن هنا لسنا على مقربة من ميناء بحري أو منفذ بري فلا تتوفر لدينا الشركات وأردف قائلا إن ترهونة مرت وتمر بظروف شديدة الصعوبة فإذا تحدثنا عن الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية تعد ترهونة من البلديات الطاردة للسكان فمعظم شبابنا قد نزحوا إلى المناطق الأخرى لاسيما بطرابلس فكثير من المحال التجارية لبيع الجملة والقطاعي وسائقيّ الشاحنات والعمال أغلبهم ينتمون لترهونة، وأضاف بأن التعداد السكاني لبلدية ترهونة تجاوز المليون وربع المليون مواطن ومواطنة على مستوى الدولة الليبية ووفق آخر إحصاء سكاني بترهونة جرى بتاريخ 31 ديمسبر 2021م قُدر عدد سكان ترهونة بحوالي 254 ألف و716 نسمة موزعين على خمس فروع بالبلدية بفرع ترهونة المركز والفرع البلدي الداوون والفرع البلدي سوق الجمعة والفرع البلدي سوق الأحد والفرع البلدي سيدي الصيد.

ترهونة لن تكون معول حرب

كما أشار رئيس المجلس التسييري إلى أن ترهونة تتميز بعاملين هما الثروة الحيوانية والثروة الزراعية فتحتوي على أكثر من 4ملايين شجرة زيتون و2 مليون من الأشجار اللوزية وبها أيضا عدد من المشاريع الزراعية لكن مع الأسف مهمل اهمال كامل، مضيفا في المقابل بأن ترهونة من ضمن البلدية التي يمر بها مشروع خط النهر الصناعي الذي ينقسم إلى محورين بأبوزيان الذي يتغذى منه سكان مناطق الجبل الغربي وغرب ليبيا ومحور يغذي في سكان مدينة طرابلس وأوضح أن سكان ترهونة لا يستفيدون من هذا الخط أبدا برغم العقود المبرمة من عام 4002 لكن لم تنفذ حتى هذه الساعة إنما في المقابل استطعنا مؤخرا بفضل جهود الخيّرين حلحلة هذه الإشكالية وإعادة تفعيل بعض هذه العقود ووفقنا الله في الدخول بهذه العقود للشق العملي فتم طرح العطاء ورسى على مجموعة من الشركات التي شرعت فعليا في العمل عليه، من جهة أخرى أكد الكشر بأن ترهونة زُج بها في عمليات الاصطفاف السياسي والعسكري لينجرف الكثير من شبابنا في أتون الموت والهلاك والمستفيد من ذلك جهات سياسية معينة وبالتالي أهالينا في ترهونة دفعوا الثمن باهظا، وأكد الكشر بأن ترهونة تعلمت الدرس ولن تكون مستقبلا معول حرب أو عامل مساعد على الحرب فما نحتاجه سنأخذه بالسلم فقط.

شاهد أيضاً

استعراض مشروع الطريق السريع القطاع الرابع مصراتة راس اجدير

ناقش وكيل وزارة الحكم المحلي لشؤون البلديات مصطفى أحمد سالم مع كل من وكيل وزارة …