فتحية الجديدي
كانت نبرته موجعة وعباراته مقتضبة تكاد تلزمه أدبياً الرد وتكلفه مهمة إنسانية تشجمها رغم صغر سنه، فهو شاب في مقتبل العمر وضعه تخصصه العلمي والأقدار في هذا المكان الخدمي «قبل أن يكون تجارياً، متحملاً عبء منح الأمل للزبائن في ظل الظروف العصيبة التي يجهل أسبابها المواطنون.
«كلاكيت مرة ثانية» عن أزمة السيولة، التي تطبق فجأة على المواطن وتجثم على صدره دون سابق إنذار، فلا يستطيع معها صرفاً ولا نصراً.
هذه الأزمة التي تكشف بجلاء هشاشة الاقتصاد وضعف قدرة المواطن «الغلبان» على مواجهة أعباء الحياة، في ظل نأي حكومي عن المساعدة، دفعت الكثيرين للوقوف في طوابير طويلة أمام المصارف، وأجبرت بعضاً آخر على اتباع طرق موازية، للحصول على سيولة نقدية تقضي لهم حوائجهم وتسد ديونهم وتكون لهم أمانًا من الأمراض وحلا ًلمشاكلهم.
رسمت في برهة صورتين متناقضتين، عن خواء المصارف وهي الأجسام المفترض تواجد الأموال بها، والتخمة المتبدية في أكداس الأموال المنقولة في «براويط» بالسوق السوداء، فانتابني الضحك من كوميديا سوداء تصف واقعنا دون أن يتطرق تفكيري للحلول.
أعود لموظف المصرف الذي لازمنا طيلة شح السيولة وجاءت ردوده متطابقة حتى آخر أيام من شهر شعبان، فحاول قدر الإمكان أن يمنح الزبائن جرعة أمل وهم على أعتاب شهر فضيل، وارتاد طريق «الطبطبة» وهو يقبض على شفاهه الصغيرة في قوله «ديروا حوالة وخلاص”، وفي ذلك قصة أخرى تأخذنا إلى ردهات مسوقي الحلول ومتربصي الفوائد «لست الآن بصددها».
لم تجد تلك المرأة السمراء ذات العينين القاتمتين والنظرة الحادة إلا هذا السبيل بعد قصت علينا حكاية ابنتها ذات الاحتياجات الخاصة التي ترعاها، فهي مرغمة على شراء لوازمها الشخصية، أما زميلتها فأخبرتنا أنها تريد «1000» دينار بشكل عاجل ثمناً لإيجار متأخر.
كان بودي أن أسرد قصصاً أخرى عن بؤسنا، لكن أصوات الرجال تعالت وهي تقول بغضب واحتجاج «حتى اليوم مافيش سيولة !» والجميع ينظر إلى ذاك الموظف بحسرة.
أما الرجلان اللذان حاولا الدخول من الباب الجانبي للتحدث مع مدير المصرف فقد عادا بعد زمن خائبين يقولان “لاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم “، ولحق بهم الصراف الصغير وهو ينظر إليهما بألم ويردد “كان عندكم بطاقة امشوا لأي آلة سحب أخرى”، ثم دخل إلى المصرف ولم نعد نراه، ولم ينفعنا الانتظار ولا طيبة صرافنا المحترم.