ليبيا في عين إعصار الصدمة في السودان
بالحبر السري
بقلم: علي الدلالي
بدأ القتال الدائر على السلطة في السودان يخرج عن السيطرة مع إجلاء الرعايا العرب والأجانب والبعثات الدبلوماسية من الخرطوم جوا وبحرا وبرا ما يؤشر على احتمالات توسع هذه الحرب المدمرة وإطالة أمدها وتعاظم تداعياتها على ليبيا التي تعيش اليوم اضطرابات سياسية ووضعا أمنيا شديد الهشاشة وانقساما سياسيا متفاقما، لعدة أسباب أبرزها، أن ليبيا التي تُعتبر أحد المسارات التقليدية للهجرة واللجوء لآلاف السودانيين، وأحد معابر الإتجار بالبشر وتهريب الأسلحة والوقود، وكانت منذ عقود متدخلة في الشأن السوداني، في حين يُعتبر السودان متورطا في التدخل في الشأن الليبي منذ عام 2011 تحديدا، ويرتبط بملف القوات الأجنبية والمرتزقة المتواجدين والذين قاتلوا فوق التراب الليبي.
إن إجلاء الأجانب ومغادرة البعثات الأجنبية يعني المضي قدما في الإحتكام إلى السلاح في السودان ويفتح الباب واسعا أمام التدخل الأجنبي ومن هنا فإن ليبيا ستكون من بين الدول التي ستعلق في قلب إعصار الصدمة التي يعيشها السودان.
أكدت العديد من المصادر الإعلامية الدولية، منها صحف وقنوات فضائية أمريكية وإنجليزية (وول ستريت جورنال، واشنطن بوست، سي أن أن والغارديان)، ومواقع عالمية لرصد حركة الطيران عبر الأقمار الصناعية، قيام قائد الجيش الليبي في شرق ليبيا المشير خليفة حفتر بتقديم دعم عسكري ولوجستيكي لحليفه في السودان، محمد حمدان دقلو(حميدتي)، في حربه ضد الجيش السوداني الذي يقوده عبد الفتاح البرهان.
وعلى الرغم من نفي القيادة العامة للجيش في شرق ليبيا الإنحياز لأحد طرفي النزاع السوداني، إلا أننا نعرف جميعا أن المشير خليفة حفتر، المرتبط بالمحور الإماراتي الروسي، لا يستطيع أن يكون إلا داعما لـ “حميدتي”، ردا لجميل حليفه الذي ساعده في حربه للإستيلاء على طرابلس عام 2019 والتي انتهت إلى الهزيمة بعد التدخل التركي وانقلاب الموقف الأمريكي.
لاشك أن المشير خليفة حفتر يسير هنا في حقل ألغام نظرا لانخراط الولايات المتحدة العلني في الحرب على تفكيك تواجد قوات فاغنر الداعمة لـ “حميدتي” في أفريقيا، ولدعم مصر عبد الفتاح السيسي، الحليف القوي للمشير حفتر، لجنرال الحرب الآخر في السودان، عبد الفتاح البرهان.
إن ما يجري في السودان، وهو صورة طبق الأصل لما يجري في ليبيا والعراق واليمن وسوريا وتونس، بحسب تقرير لـصحيفة(الغارديان) البريطانية “سيناريو مرعب وشامل” لقوى دولية وإقليمية تخوض حربا بالوكالة على أراضي هذه الدول. ونضيف أن هذا السيناريو قد ينتهي إلى تفكيك هذه الدول وتقسيمها وإعادة تشكيلها لرسم خريطة جيوسياسية جديدة على خلفية خريطة العالم المنتظرة لما بعد الحرب الروسية الأوكرانية. فالسودان جاهز للتقسيم مرة أخرى وكذلك ليبيا واليمن والعراق وسوريا، وقد يأتي الدور على السعودية لاحقا.
نقرأ في التاريخ أن التدخل الليبي في الشأن السوداني والتدخل السوداني في الشأن الليبي ليس وليد اللحظة بل يعود إلى العام 1969 بوصول كل من العقيد معمر القذافي والجنرال جعفر نميري إلى السلطة في نفس العام.
لقد ساهم العقيد القذافي بشكل كبير في إفشال إنقلاب عسكري ضد النميري عام 1971، ثم بعد ذلك ساعد في محاولة تقويض نظامه عام 1976 بعد أن احتضن قوى الجبهة الوطنية (حزب الأمة والحزب الإتحادي الديمقراطي). ولم يكن العقيد معمر القذافي بعيدا عن الإنتفاضة الشعبية عام 1985 ضد نميري وانحياز الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الرحمن سوار الذهب إلى الشعب. وعرفت العلاقات الليبية السودانية شيئا من الهدنة بوصول الصادق المهدي إلى السلطة وفي بداية عهد الجنرال عمر البشير. إلا أن شهر العسل مع البشير لم يدم طويلا عندما كشف نظام هذا الأخير عن توجهه “الإسلاموي”، فقام العقيد القذافي بتبني أمراء الحرب في دارفور من بينهم خليل إبراهيم زعيم حركة العدل والمواساة، وسرع وتيرة دعم جيش تحرير جنوب السودان. في العام 2011، قفز البشير على فرصته للثأر ودعم، عبر محور الدوحة، تفكيك النظام الليبي.
ما نستطيع قراءته هو أن الوضع الأمني والجويوسياسي في ليبيا تحديدا لن يكون، بعد توقف نزيف الدم والدمار والخراب في السودان، نفسه كما كان قبل اندلاع هذه الحرب، سواء كان المنتصر فيها الجيش السوداني بقيادة البرهان أو قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، أو حتى لو جلسا من جديد على طاولة مفاوضات (عند حائط المبكى) وتقاسما سلطة نهب السودان وبيعه بعد تدميره… السياسة لا دين لها.