بقلم /علي مرعي
عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن صفقته بخصوص حل القضية الفلسطينية قلنا أن هناك دول ستسارع إلى حفظ مكانتها في هذا التحول الجديد في المنطقة الذي تسعى إليه الولايات المتحدة حتى لا تجد نفسها في مزبلة التاريخ .
بالأمس تفاجأ العرب بلقاء رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مدينة عنتيبي الأوغندية في خطوة رآها البعض بأنها تهدف إلى رفع السودان عن قائمة الإرهاب الأمريكية ، فيما يراها البعض بأنها ضغط من داعمي «صفقة القرن» لتأييد الصفقة الأمريكية .
بكل تأكيد فإن خطوة البرهان لا تمثل الشعب السوداني الذي لطالما وقف إلى جانب القضية الفلسطينية ويعتبر أن الكيان الصهيوني هو العدو الأول للأمة العربية ، وأن ما فعله البرهان لا يعدو كونه محاولة منه لطلب يد العون من الصهاينة لإطالة مكانته في منصبه أو بالأحرى لتقوية النظام العسكري في السودان الذي وضع يده على كل مفاصل الدولة .
إن زيارة البرهان تزامنا مع زيارة نتنياهو إلى أوغندا لم تكن محض صدفة، وإنما رتب لها من قبل وبمساعدة بعض الأطراف العربية من أجل التمهيد للتطبيع السوداني مع العدو الصهيوني في مقابل مساعدة السودان اقتصاديياً .
هناك ضغوطات تقوم بها بعض الدول العربية وخصوصا الغنية للتأثير على أطراف عربية أخرى للسير في ركب التطبيع مع العدو وقد زادت سياسة الضغط في هذه الأيام بعد إعلان ترمب عن صفقته .
السودان في هذه المرحلة الانتقالية غير مستعد لإبرام أي مبادرات فردية فكيف إذا كانت مبادرة كالتي قام بها البرهان ومن المحتمل أن تؤدي إلى إلى حالة من الاحتقان في الداخل السوداني قد يتسبب في فتنة سواء على المستوى الشعبي أو على مستوى الأحزاب ،وبالتالي فإن خطوة البرهان جاءت في التوقيت الخطأ، وليس معنى ذلك أن هناك توقيتا أحسن .
والسؤال المطروح إلى أين يسير البرهان بالسودان؟ بطبيعة الحال فإن أي اتصال بالكيان الصهيوني لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانكسارات والهزائم والخنوع وهناك أمثلة كثيرة على ذلك منها اتفاقية كامب ديفيد ووادي عربة واتفاقية أوسلو وغيرها من الاتفاقيات التي كبلت العرب وأرغمتهم على التعامل مع الكيان الصهيوني انطلاقا من مبدأ حسن الجوار ، فيما العدو استغل هذه الاتفاقيات لصالحه .
ويبدو أن البرهان لم يستفد من التجارب السابقة ، إذا سرعان ما يريد التطبيع مع «إسرائيل» بحجة إخراج السودان من اللائحة الأمريكية للإرهاب كما يزعم ، عذر أقبح من الذنب ، فالشعب السوداني العروبي الذي أطاح بنظام البشير الفاسد لن يتوانى عن الإطاحة بالبرهان ، والشعب السوداني يدرك تمام الإدراك أن الأمريكان والإسرائيليين سيظلون يبتزون السودان أكثر فأكثر حتى تفتيته ، كما حصل لانسلاخ الجنوب عن الدولة الأم في مقابل رفع العقوبات عن البشير.
إن العرب للأسف ما زالوا يتهافتون للتطبيع مع الصهاينة ، بل أكثر من ذلك يضغطون بالمال لإجبار البقية الباقية على التقارب مع الدولة العبرية
والمفارقة الغريبة أن الإعلام الصهيوني هو من يكشف دائما عن الاتصالات واللقاءات السرية التي تحدث من حين لآخر بين مسؤولين عرب وصهاينة ، بينما الإعلام العربي يغط في نوم عميق .
ففي تصريح للإرهابي نتنياهو لمحطة «بي بي سي» قال إن التطبيع معنا يتزايد وإن كثيرا من الدول العربية باتت تدرك أهمية ما قد تشكله «إسرائيل» أمنيا لهم ، وهذا يدعونا إلى القول إن المستهدف من كل ما يجري من تطبيعات هو القضاء على القضية الفلسطينية ، وبلا شك أن هذه الخطوة «البرهانية» تأتي استكمالا لما أقدمت عليه بعض الدول العربية في السابق.
وهناك حقيقة لا يمكننا تجاهلها وهي أن أكثرية الدول العربية تعتقد أن رضا البيت الأبيض عليها لا يمر إلا عبر البوابة الصهيونية، مع ما ستقدمه من تنازلات وخدمات للكيان الصهيوني حتى تنال ثقة العم سام بها ، فالدول العربية بدأت تتساقط الواحدة تلو الأخرى في إطار سياسة ممنهجة خططت لها الإدارة الأمريكية منذ سنوات للضغط على العرب منطلقة من سياسة الترغيب والترهيب أو العصا والجزرة ،