منصة الصباح

“الحياة حلوة بس نتهنّى”

جمعة بوكليب

زايد…ناقص

حين غَنّى المرحوم فريد الأطرش أغنيته المشهورة:” الحياة حلوة” اشترط في أول مقطع منها الهَناء، فقال مؤكداً: “الحياة حلوة بس نتهنّى.” حلاوة الحياة والهناء يسيران يداً بيد، حتى قبل أن يؤكد المرحوم فريد الأطرش ذلك. إذ لا معنى لحب الحياة والعيش عمراً طويلاً في نكد وهمّ وغم. ومن المهم كذلك معرفة أن جماعة النكد والهم والغمّ لا يعيشون طويلاً، والحمد لله، وتلك من نعم الله على عباده.

الناسُ مهما تباينوا وتنوعوا وأختلفوا، يحبون الحياة ويشتهون العيش طويلاً. هذا التعلق بالحياة شيء ايجابي بالتأكيد، بل وجميل جداً. إلا أنّه، في ذات الوقت، من الممكن أن يكون سلاحاً ذا حدين. بمعنى أنه قد يكون طعماً مفيداً لاصطياد الكثيرين من الناس، وافراغ جيوبهم من المال من قبل المحتالين، وهم كثر.

وما دعاني للخوض في هذا الموضوع، هو أنني أطلعت مؤخراً، في أحدى الصحف البريطانية، على تقرير يتعرض إلى التعليق على فيلم وثائقي انتجته شركة “نتفليكس” وبثّ في قنوات تلفزيونية، يتناول موضوعه مسألة طول أعمار الناس في مناطق بعينها، أطلق عليها اسم المناطق الزرقاء-Blue Zones.

اختار معدو البرنامج مناطق ومدناً في قارات مختلفة، مثل جزيرة سردينيا في ايطاليا، ومدينةاوكيناوا في اليابان، ونيكويا في كوستا ريكا، ولوما ليندا في كاليفورنيا، وجزيرة ايكاريا في اليونان.

بعض الشركات السياحية في بريطانيا وبقية دول أوروبا، انتهزت الموقف وسارعت باستغلاله لصالحها، بالترويج وبتشجيع المتقاعدين بصفة خاصة من دول أوروبية عديدة على قضاء بقية أعمارهم في تلك المدن أو المناطق، كي يعيشوا طويلاً، وفي حالة صحية جيدة. خاصة وأن مستويات المعيشة رخيصة.

وما حدث هو أن فريقاً من الخبراء المتخصصين، من عدة دول، قاموا بالتحقيق في الأمر بغرض التأكد من المعلومات. وكما هو متوقع، تبيّن لهم أن الموضوع، من ألفه إلى يائه، قائم على التضليل والكذب والاحتيال. واتضح، من خلال التحقيقات الاستقصائية، أن مسألة عيش الأهالي أعماراً طويلة تتجاوز المائة عام في تلك المناطق والمدن المذكورة غير صحيح. ذلك أن جميعها تتميز بشدة الفقر وارتفاع نسبة الجريمة والتزوير في وثائق أدارات النفوس والاحتيال. وعلى سبيل المثال، فإن إدارة النفوس ببلدية مدينة أوكيناوا في اليابان تعرضت للدمار أثناء الحرب، وتم تجديدها من قبل جنود الاحتلال من الامريكيين ممن لا يجيدون حرفاً واحداً من اللغة اليابانية. وبالتالي تبيّن أن حكاية المئويين من سكان المدينة غير صحيحة. بل تبين أن سكانها يموتون في أعمار مبكرة مقارنة ببقية المدن اليابانية الأخرى. وأنهم من شدة الفقر يعيشون على الأكل المُعلب، ولا يتذوقون خضارا أو فواكه أو غيرها من غلال البحر وأعشابه كما يزعم.

والحقيقة أن طول الأعمار أو قصرها، لا يقتصر على جهة في العالم دون أخرى. فالناس يعيشون طويلاً في أماكن كثيرة من العالم، اعتماداً على أشياء كثيرة، وفي مقدمتها، كما ذكر المرحوم فريد الأطرش في أغنيته أعلاه: الهناء. والذين منّا عرفوا الهناء وتذوقوه – اللهم لا حسد- هم الذين حظوا برضا الله ومحبّته. ونتمنّى على الله أن يجعلنا جميعاً منهم. تلك النعمة الربّانية، مثل نعمة الصحة، هي تاج على رؤوس أصحابها لا يراه إلاّ من حُرموا منها، وعاشوا حياتهم راكضين لا هثين وراءها، في حين أنها قد تكون متوفرة تحت أرجلهم. أطلبوا الهناء، وأسعوا إليه، وابتعدوا قدر الإمكان على النكديين، الذين لا همّ لهم إلا البكاء والنواح على كل قطرة حليب تنسكب.

شاهد أيضاً

اللي تعرف ديته.. اقتله

مثل ليبي يصف بعضا من الواقع الذي نعيشه بإرادتنا أو فرضًا علينا، فمنذ أيام ضجت …