فتحية الجديدي
وسط أحياء سكنية ظهر بيت لا يشبه كل البيوت، ولا تتطابق تفاصيله مع ما يلاصقه من منازل، وكأنه انفراد جاء به المعمار ليتوسطها ويكون المميز بينها ، تلك الغرائبية شدت انتباهي وفضولي معًا في معرفة من يكون صاحب البيت؟ ولماذا اختلف عن البقية؟ استفزني الأمر أكثر فصرت أتردد على الشارع أكثر من مرة في اليوم الواحد، لأقف أمام البيت وأنظر إليه بتمعن.
أراقب كل التفاصيل التي تستحيل أسئلة في ذهني .. كيف تمت زراعة ذاك الكم الهائل من الورود والمزروعات، وأنّى تتأتى للنافورات الصغيرة أن تتواجد عند المدخل، وكل تلك الإكسسورات والأدوات التي وضعت على جانبي البيت وأقفاص العصافير الملونة على الحائط الخارجي والقطط المتكئة على حواف مصاطبه ، تساءلت أيضاً كيف هو من الداخل ؟ هل هو بيت عادي يحمل معايير النظام المعيشي المتعارف عليها بحجراته ومطبخه ومنافعه أم انه يختلف عن ذلك تمامًا ، خاصة أنني شاهدت رجلًا ومعه فتاة صغيرة وعرفت أنه بيت سكني، ولكن عقلي لم يتقبل إمكانية أن يكون مكانًا تقطنه أسرة وهو أقرب ما يكون إلى متحف أو لوحة فنية.
عندما رأيت بعضًا من مدخله الداخلي أو ما يسمى ( السقيفة) ذات فرصة فتح فيها الباب الرئيس، فلمحتها تحمل نفس المواصفات من ديكورات غريبة ومرايا معلقة وزخارف ونقوش مختلفة ، لم يعد بمقدوري الكف عن شغفي لمعرفة بيت من؟ وماذا يكون هذا المكان الغاية في الجمال والروعة والصورة التي رسمها بين السكان بالحي الداخلي بأحد شوارع طرابلس الجميلة والذي لا يبعد كثيًرا عن مكان عملي ما جعلني أواظب على المرور من الشارع علَني أجد إجابة لكل أسئلتي، دون أن أبدو لصاحب المكانة كـ (متطفلة).
ذاك الرجل الأسمر الملتحي الذي يرتدي قبعة سوداء ويبتسم للمارة ويحضر بعض الأشياء بيديه عندما يعود لبيته كأغصان لنبتات وأوان بلاستيكية، فقد كنت أراقب المكان ولا أراقبه ومن شدة إعجابي بفكرته التي حولها إلى حديقة ملونة ومنتزه صغير له ولطفلته التي ترافقه في جلساته المسائية وأشاهدها على الكرسي المحاذي له، ودون رغبة مني أن أعرف تفاصيل أكثر استعدت من خلال بيته صورًا للحنوّ والأبوة وأيضًا للهدوء الذي يعمه على جيرانه وشارعه بالكامل إلى درجة لم أر غيرهما بالمكان ، واكتملت عندي الصورة في المرة الأخيرة التي مررت فيها أمامه وهو يبتسم وينظر لي وكأنه يجيبني «هذا أنا.. وهذا بيتي .. وهذه ابنتي».