تقرير/ طارق بريدعة
تواجه وزارة الاقتصاد والتجارة بحكومة الوحدة الوطنية، انتقادات واسعة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تواجه المواطنين، حول أدائها ودورها في معالجة القضايا الملحّة، التي تؤثر بشكل مباشر على حياة الناس.. من الفشل في مراقبة الأسعار وضبط الأسواق، إلى عدم تفعيل القرارات المتعلقة بتنظيم النشاط التجاري، والحد من ظاهرة انتشار العمالة الأجنبية..
إذ يبدو أن الوزارة تُصدر العديد من القرارات، لكنها تفتقر إلى التنفيذ العملي والفعّال..
كما أثارت إقامة المعارض الاقتصادية بشكل دوري، جدلًا كبيرًا حول جدواها، حيث يرى البعض أنها مجرد مناسبات إعلامية لا تحقق الفائدة المرجوة للاقتصاد الوطني أو للمواطن العادي.. وفي المقابل، تعاني الأسواق من غياب الرقابة، وتفاقم الأعباء المعيشية على الطبقات المتوسطة والفقيرة، ما يدفع للتساؤل عن مدى كفاءة السياسات الاقتصادية الحالية، وغياب النتائج الملموسة، رغم التصريحات والوعود المتكررة..
هذا الواقع يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول أداء وزارة الاقتصاد والتجارة، وأسباب غياب التنفيذ الفعلي للقرارات، ومدى انعكاس ذلك على تحقيق استقرار اقتصادي حقيقي..
سياسات اقتصادية تضرُّ بالطبقة المتوسطة والفقيرة
من مهام الوزارة العمل على تحقيق توازن بين أهداف التنمية الاقتصادية، والمصلحة العامة، مع مراعاة التحديات المالية والإدارية..
بعض السياسات قد تبدو قاسية، ولكنها تهدف إلى إصلاح اختلالات هيكلية في الاقتصاد على المدى البعيد..
مع ذلك، تؤكد الوزارة على تطبيق برامج حماية اجتماعية، لتحسين قدرة الطبقات المتوسطة والفقيرة على التكيف مع هذه السياسات، مثل دعم السلع الأساسية، وتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي..
قرارات بشأن سعر رغيف الخبز وعمل العمالة الوافدة
تواجه الوزارة أحيانًا تحديات، مثل تعقيد الإجراءات التنفيذية، زنقص التنسيق مع جهات أخرى، أو الحاجة لإعادة دراسة أثر بعض القرارات، لضمان التوازن بين التكاليف الاقتصادية والاجتماعية..
فيما يتعلق بالعمالة الوافدة، يتم العمل على تنظيم السوق التجاري لضمان المنافسة العادلة، ودعم رواد الأعمال المحليين، مع مراعاة حاجة السوق للمهارات الوافدة في بعض المجالات..
المعارض ومساهمتها في تحفيز النمو الاقتصادي
تُعدُّ المعارض منصات لتسويق المنتجات المحلية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتوسيع الشراكات التجارية..
وتعمل الهيئة العامة للمعارض على تقييم نتائج المعارض، من خلال دراسات الأثر الاقتصادي، وتطوير استراتيجيات تُعزز الفائدة الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة..
والتحدي قد يكون في التسويق الدولي، أو التنافس مع معارض في دول أخرى، تقدم قيمة مضافة أعلى..
وتراجع الهيئة استراتيجياتها بشكل دوري، لتطوير خطط تسويقية تعكس جاذبية الاقتصاد الوطني، وتُسهم في جذب مشاركين دوليين من الأسواق المستهدفة..
غياب دور حقيقي للوزارة وإلغاء لجان مراقبة الأسعار
هناك انتقادات واسعة، بأن وزارة الاقتصاد لم تُفعّل بشكل كافٍ آليات مراقبة الأسعار في الأسواق، ما أدى إلى غياب الرقابة الفعلية على ارتفاع الأسعار، خاصةً للسلع الأساسية..
إلغاء لجان مراقبة الأسعار، ساهم في ترك السوق يعمل دون ضوابط واضحة، أو تدخل لحماية الطبقات المتوسطة والفقيرة..
ويُقال إن الوزارة تكتفي بإصدار التصريحات والقرارات، دون وجود جهاز تنفيذي قادر على تطبيق هذه القرارات، بشكل عملي على أرض الواقع..
إقامة المعارض دون جدوى اقتصادية حقيقية
انتُقدت وزارة الاقتصاد لعقدها معارض شهرية، تُوصف بأنها مناسبات إعلامية فقط، دون تقديم فوائد ملموسة للاقتصاد الوطني..
عدم وجود متابعة دقيقة لنتائج هذه المعارض، وعدم إشراك الشركات المحلية الناشئة والصناعات الوطنية، في هذه الفعاليات يزيد من الشكوك حول دورها في تحفيز الاقتصاد، أو خلق فرص عمل..
. قرارات غير منفذة مثل منع الباعة الأجانب:
الوزارة أصدرت قرارات واضحة لمنع العمالة الوافدة من السيطرة على المحلات التجارية، ولكن على أرض الواقع لم يُرصد أي تطبيق فعلي لهذا القرار..
غياب الرقابة الميدانية والتنفيذية، جعل هذه القرارات مجرد حبر على ورق، ما أدى إلى استمرار ظاهرة سيطرة العمالة الأجنبية على قطاعات تجارية حساسة، وهو ما ينعكس سلبًا على التجار المحليين..
السياسات غير المفعّلة وأثرها:
الانتقادات تشير إلى أن الوزارة تُقر السياسات، دون وضع آليات تنفيذية واضحة أو متابعة جادة..
القرارات المتعلقة بتسعير رغيف الخبز، أو تنظيم العمالة الأجنبية، لم تُترجم إلى أفعال ملموسة تخدم الاقتصاد الوطني أو المواطن..
يبدو أن هناك ضعفًا في التخطيط التنفيذي، والتنسيق بين الوزارة وبقية الجهات ذات الصلة، بالإضافة إلى غياب الإرادة السياسية، أو الإدارية، لتفعيل هذه السياسات..
وزارة الاقتصاد بحكومة الوحدة الوطنية تواجه تحديات تتعلق بغياب التنفيذ الفعلي لقراراتها، وعدم وجود رقابة صارمة على الأسواق، واستثمار الموارد في مشاريع مثل المعارض التي لا تحقق نتائج اقتصادية ملموسة..
المطلوب تحسين الرقابة الميدانية، وتفعيل القرارات، بما يضمن مصالح المواطنين، وإعادة تقييم الأنشطة مثل المعارض لضمان مساهمتها في تحفيز النمو الاقتصادي بدلًا من أن تكون مناسبات استعراضية فقط..
غياب التركيز على النتائج الاقتصادية الحقيقية
الدورة الوزارية “118” لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية:
رغم مشاركة وفد ليبي رفيع المستوى، برئاسة رئيس الهيئة العامة للمعارض، لم تُطرح أي مبادرات ليبية واضحة لحل الأزمات الاقتصادية الداخلية..
الكلمات والخطابات ركزت على عبارات عامة، مثل “التعاون العربي المشترك”، و”التكامل الاقتصادي”، دون أي التزام عملي بمشاريع محددة، لتحسين الوضع الاقتصادي داخل ليبيا..
التوقيع على اتفاقيات
تم توقيع اتفاقية بين الهيئة العامة للمعارض ومجلس الوحدة الاقتصادية، لتعزيز التعاون في تنظيم المعارض والتدريب، ما يبرز اهتمامًا كبيرًا بتنظيم المعارض، دون ذكر خطط تفصيلية لدعم الاقتصاد الإنتاجي، أو معالجة المشكلات الهيكلية، التي يعاني منها الاقتصاد الليبي..
. التوجه نحو إقامة المعارض بدلاً من بناء البنية التحتية الاقتصادية:
الاتفاقيات الموقَّعة تشير إلى تركيز كبير على تنظيم معارض وأسواق تجارية وأسابيع تجارية، وتعد هذه الأنشطة مفيدة، إلا أنها تعكس غياب رؤية شاملة لمعالجة القضايا الجوهرية، مثل دعم الصناعات المحلية، وتعزيز الإنتاج الزراعي، أو تحسين بيئة الاستثمار لجذب رؤوس الأموال الأجنبية..
. اجتماعات مكررة دون نتائج ملموسة:
مع الجانب الصيني: اللقاء بين وزير الاقتصاد الليبي والقائم بأعمال السفارة الصينية، ركز على “إعداد برامج”، و”تنظيم ملتقيات ومعارض”، وتأكيد الجانب الصيني على رغبته في تعزيز التعاون..
إلا أن اللقاء لم يخرج بأي اتفاقيات استثمارية فعلية، أو حلول للصعوبات التي تواجه الشركات الليبية..
مع الجانب التونسي: اجتماعات اللجنة الاقتصادية المشتركة، ركزت على قضايا مهمة، مثل تطوير البنية التحتية، وتحسين المعابر الحدودية، ولكن تكرار الحديث عن ذات المشكلات دون أي تنفيذ ملموس يشير إلى غياب الإدارة الفعالة..
. إهمال الملفات الاقتصادية الاستراتيجية:
رغم التحديات التي تواجه الاقتصاد الليبي، مثل ضعف البنية التحتية، والحاجة إلى تنويع مصادر الدخل، وتنمية القطاع الخاص، فإن التركيز انصبّ على جوانب غير محورية، مثل تنظيم المعارض والفعاليات..
غابت تماما الاستراتيجيات المتعلقة بتعزيز الصناعات المحلية، وتطوير القطاع الزراعي، أو إصلاح المنظومة المالية، ما يبرز أولية المظاهر البروتوكولية، على حساب الملفات الأكثر تأثيرًا على الاقتصاد الوطني..
. إهدار الموارد:
المشاركة في هذه الاجتماعات والمعارض، تتطلب موارد مالية وبشرية، في حين أن النتائج الملموسة شبه غائبة..
الأمر يشير إلى غياب التخطيط الاستراتيجي، وسوء توجيه الموارد نحو حلول عملية، تعالج القضايا الاقتصادية الملحّة..
هناك دلائل واضحة على سوء الإدارة، من خلال التركيز المفرط على تنظيم المعارض واللقاءات مع الضيوف دون متابعة أو تنفيذ قرارات تؤدي إلى تحسين الاقتصاد الوطني. هذه الأنشطة تُظهر اهتمامًا بالشكل والبروتوكولات أكثر من المضمون والنتائج العملية، ما يعكس ضعفًا في القيادة الاقتصادية، وعدم وجود رؤية استراتيجية لتحقيق تنمية مستدامة..
دراسات وحلول..
نشر “أبوعزوم اللافي أبوجديريه”/ أستاذ الاقتصاد بجامعة سبها، ورقة بحثية بخصوص الاقتصاد الليبي، جاء فيها:-
لتحقيق الاكتفاء الذاتي في السلع الزراعية، وتلبية احتياجات السوق المحلي، يمكن التركيز على زراعة محاصيل استراتيجية مثل القمح، والشعير، والزيتون، والنخيل..
هذه المحاصيل تتميز بقدرتها على التكيف مع الظروف المناخية المحلية، واحتياجاتها المائية القليلة، ما يجعلها مناسبة لتحقيق أهداف التنمية الزراعية، في ظل الموارد المتاحة..
الفوائد المتوقعة:
1. الاكتفاء الذاتي: تقليل الاعتماد على الاستيراد، وتحقيق استقرار في إمدادات السلع الأساسية..
2. خلق فرص عمل: تعزيز القطاع الزراعي يوفر وظائف مباشرة وغير مباشرة، ما يدعم الاقتصاد المحلي..
3. الاستخدام الأمثل للموارد: التركيز على المحاصيل ذات الاحتياجات المائية القليلة، يعزز الاستدامة، ويقلل الضغط على الموارد المائية المحدودة..
التحديات:
– نقص الموارد المائية..
– الحاجة إلى بنية تحتية زراعية متطورة..
– محدودية الاستثمار في الأبحاث الزراعية..
الحلول:
– وضع خطط زراعية متكاملة، تركز على تحسين الإنتاجية..
– تنفيذ سياسات تدعم المزارعين، مثل تقديم قروض ميسرة، وتحسين تقنيات الري..
– توجيه الاستثمار نحو تطوير تقنيات زراعية متقدمة، وتعزيز كفاءة استخدام الموارد الطبيعية..
إمكانيات اقتصادية ضخمة..
نشرت “سكاي نيوز” في وقت سابق، تقريرًا عن الوضع الاقتصادي في ليبيا، تناول تحليل وضع الاقتصاد الليبي وآفاق النمو:-
“الاقتصاد الليبي يمتلك إمكانات ضخمة، تؤهله لتحقيق معدلات نمو عالية مستقبلاً، مستفيدًا من احتياطيات النفط والغاز، وأسعارهما المرتفعة، بالإضافة إلى عدد السكان المنخفض نسبيًا..
لكن تحقيق هذا النمو، يتطلب مواجهة تحديات أساسية على المستوى السياسي والاقتصادي.”..
المؤشرات الاقتصادية الرئيسية:
– انكماش الاقتصاد بنسبة “1.2%” في عام 2022، نتيجة انخفاض إنتاج النفط خلال الربع الأول من العام..
– معدلات البطالة بلغت “19.6%”، مع اعتماد “85%” من القوى العاملة على القطاع العام، والاقتصاد غير الرسمي..
– التضخم وصل إلى “4%” بنهاية 2022، مدفوعًا بارتفاع أسعار الغذاء، والإسكان، والكهرباء..
– زيادة في أسعار الغذاء الأساسية بنسبة “38%”، ما يعكس ارتفاع تكلفة المعيشة..
إمكانات الاقتصاد:
– احتياطيات النفط والغاز الضخمة تُعد الركيزة الأساسية للاقتصاد الليبي، حيث تشكل “95%” من الصادرات، وإيرادات الحكومة..
– ليبيا تمتلك واحدًا من أعلى مستويات نصيب الفرد، من الناتج المحلي الإجمالي في إفريقيا..
– التخطيط لزيادة إنتاج النفط إلى “1.3” مليون برميل يوميًا، يّعزّز الإيرادات المالية..
التحديات الرئيسية:-
1. الاعتماد المفرط على النفط والغاز: رغم أهميته، يُعد تنويع الاقتصاد ضرورة لتحقيق نمو مستدام..
2. الحاجة لإصلاحات هيكلية: تشمل تحسين الحوكمة، وضبط الإنفاق الحكومي، وتطوير القطاعات غير النفطية..
3. البطالة المرتفعة: يتطلّب خلق وظائف جديدة في القطاع الخاص، وتحفيز الأنشطة الإنتاجية..
الإصلاحات المقترحة:
1. تنويع الاقتصاد: دعم القطاعات الزراعية والصناعية.. وتطوير البنية التحتية اللازمة لتحفيز الاستثمار..
2. تعزيز الحوكمة: تطبيق معايير الشفافية والإدارة الرشيدة، للحد من الفساد..
3. إصلاح سوق العمل: تقليل الاعتماد على القطاع العام، وتشجيع ريادة الأعمال..
4. تنمية القطاع الخاص: تحسين بيئة الأعمال لجذب المستثمرين المحليين والدوليين..
التوقّعات المستقبلية:
توقّع صندوق النقد الدولي، نمو القطاع النفطي بنسبة “15%” في 2023..
إمكانية تحقيق نمو اقتصادي يصل إلى “17.9%” وفقًا للخبراء، مدعومًا بزيادة إنتاج النفط والجهود الإصلاحية..
الخلاصة:- الاقتصاد الليبي يمتلك فرصًا واعدة للنمو، لكن نجاحها يعتمد على تحقيق استقرار سياسي، وتنفيذ إصلاحات هيكلية جادة..
تنويع النشاط الاقتصادي وتعزيز الحوكمة، سيضمنان استدامة النمو، وتوسيع قاعدة الإنتاج لتشمل قطاعات غير نفطية..