منصة الصباح

الاعتراف أولا..

أشرعة

جمال الزائدي

في جلساتنا الحافلة بالنقاشات السياسية والثقافية ولعب الورق ببيت أحدنا أو بالمقهى المطل على ميدان الجزائر مقابل الكاتدرائية المعروفة حاليا بجامع الدعوة ..كثيرا ما يطرح احدنا ذلك السؤال المتكرر بصياغات مختلفة :- هل لدينا مثقفون ..؟ لينبري أكثرنا تفاؤلا وإقبالا على الأوهام ويفحم السائل بعدد من الأسماء المهمة ذات البريق الإعلامي المبهر ..لدينا الأستاذ فلان والدكتور علان والسيدة سين والآنسة صاد ووووو

كلها أسماء فخمة لا يمكن المرور بها وتجاهل حضورها في المشهد الليبي ..منها الروائي والشاعر والكاتب والأكاديمي..لكنها لا تشفي عطش السؤال الذي نطرحه تضرعا لإجابة تبدو كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء..

على سبيل القياس لا التعيين ..هل ينطبق على هؤلاء اللامعين في سماء ليل الوطن ، تعريف غرامشي للمثقف العضوي على أنه « ليس انعكاسا للطبقة الاجتماعية بل يعود استقلالهم الذاتي الى وظائفهم كمنظمين ومربين ومحققي تجانس للوعي الحقيقي. كما أن الاستقلال الذاتي للمثقف ينشأ بوجه خاص عن المنظمات التي يعملون في إطارها، فهم مرتبطين بالطبقات من خلال المنظمات المرتبطة بتلك الطبقات «

أو هل تنطبق عليهم مقالة «فوكو» عن المثقف المتخصص الذي يقطع نهائيًا، مع دعوى الشمولية، والكونية، والكلية، ويمارس يقظةً سياسية، نظرية، أخلاقية في ميدان عمله أو محيطه الاجتماعي.

المحلل والناقد لأنظمة الفكر، والتي أصبحت تشكل بديهيات، والتي ترتبط بشكل عضوي مع مفاهيمنا، ومواقفنا وسلوكنا.

المثقف الذي ليست مهمته سَنَّ القوانين واقتراح الحلول وتقديم النصح، وإنما مهمته التحويل، أو التغيير من خلال ميدانه، وذلك بتشخيص الحاضر.

ما نتوصل إليه في نهاية كل مناقشة بالمقهى أو في مربوعة احدنا أن الروائي أو الكاتب أو الفنان ومعهم الشاعر الشعبي وحكواتي النجوع هم أصحاب فعل ثقافي إبداعي لكنهم ليسوا بالضرورة مثقفين ..لأنهم في ليبيا لا يمارسون حتى ما مقداره خمسة بالمائة من الوظائف التي تقترحها التعريفات آنفة الذكر..  وهنا يعلق أحدنا غاضبا يائسا :-  لو كان لدينا مثقفون هل كان ما حدث ويحدث منذ سنوات سيكون على هذه الدرجة من السوء والوحشية ..لو أن شعبنا وجد من يشخص حاضره وماضيه وأمراضه المزمنة ما كان لمشاكله أن تتراكم وتتعقد وتتناسل لتصل إلى لحظة الانفجار المرعب الذي لا يبقي ولا يذر .. وحتى إن كان ما يحدث (حسب إحدى الفرضيات) هو نتاج مؤامرة كونية فلقد كان يمكن لوجود النخبة الوطنية المثقفة أن يخفف من قسوة النتائج والآثار العميقة التي تكاد تذهب بمشروع الدولة الليبية الواحدة إلى تيه لاعودة منه ..

سيقول قائل ان في هذا الحديث الكثير من جلد الذات والمبالغة في التشاؤم والتطاول على مخزوننا المحلي من الثقافة والمثقفين ..لكنني أرى أن وقت تدليل الذات ومجاملة بعضنا بعض قد فات وولى وان مواجهة أنفسنا بالحقيقة مهما كانت مرة ولا تطاق هو طريقنا الوحيد لاستعادة اتصالنا بواقعنا والقدرة على محاولة تغييره ..لنعترف أننا مفلسون اولا وبعد ذلك لعل الله يحدث أمرا..

شاهد أيضاً

الخارجية تأسف على فشل مجلس الأمن في قبول عضوية فلسطين بالأمم المتحدة

أعربت وزارة الخارجية عن اسفها من فشل مجلس الأمن الدولي في الموافقة على مشروع قرار …