منصة الصباح

ابجد هوز

براح

محمود البوسيفي

     لم يكن صاحب الدعوة لتعليم أولادنا الرماية والسباحة وركوب الخيل يعني الرياضة، ولم يكن حتما قد سمع عن الألعاب الأولمبية في اليونان القديمة.. لكنه كان يقصد بلا ريب إعداد نواة المقاتل الذي يجيد استخدام أسلحة ذلك العصر.. وهي التي لم نعد نراها إلا في المسلسلات المرئية، وبعض أجنحة المتاحف، والأندية، و دكاكين الألعاب في نماذجها البلاستيكية الملونة.

من أطلق الدعوة كان يعني بلا ريب ان الرجل الذي لا يحسن الرماية والسباحة وركوب الخيل سيكون عاجزا عن الأشتراك في القتال وحيازة الغنائم، إضافة للفضائل الأخرى التي يحرزها على مقام الأجر والثواب.. أما وقد صارت الحرب والقتل والطعن والنزال من مفردات مناهج التاريخ وقواميس شعراء القصيدة العمودية، وتحولت إلى معدات معقدة تطلق بازرار، وتتحكم في توجيهها شاشات أنيقة، و مؤشرات دقيقة لا علاقة لها بكنانة السهام واغمدة السيوف وظهور الجياد وتلاطم أمواج البحر، فأن الدعوة تصبح لافتة يجوز تعليقها في صالات الأندية الرياضية التي لا تستقطب الا القليل من الموهوبين الذين ينهون حياتهم الرياضية دون حصول معظمهم على صورة في صحيفة او استضافة في برنامج مرئي..

لن يكون بوسعي طرح فكرة تغيير مفردات الدعوة إلى : علموا أولادكم القراءة والكتابة وعلوم الكمبيوتر مثلا باعتبار ان مثل هذه الفكرة قد تعتبر تدخلا غير صائب.

ولن يكون بمقدوري أيضا إعادة صياغة الدعوة إلى : علموا أولادكم الكيمياء والفيزياء وركوب مركبات الفضاء مثلا.. باعتبار ان هذه المسائل يمكن استيراد اساتذتها والمتخصصين بها بينما يكون مواطننا المبجل غارقا في التجارة او لعن الظروف.

ما الذي يمكن للمرء ان يعلمه لفلذة كبده كي يضمن مستقبله، وحتى لا يتحول إلى تابع لفلان او ما يشبه الخادم في مزرعة علان او مجرد كائن يعيش على هامش وطنه..

ما الذي يمكن أن يعلمه المرء لأبنه الذي يكبر وينمو أمام شاشة التلفزيون والموبايل وهو يلاحق احلام يقظته ويرعى قطعان طموحاته وهو يرمق بحسرة ما تغدقه تلك الشاشات من اغراءات متبخرة..

شخصيا لا أملك خيارات كثيرة لاحداث تغييرات جادة على كلمات الدعوة التاريخية.. لكنني اميل إلى توخي الانسجام مع ضغوط الواقع وترجيح ان تتم الدعوة لتعليم أولادنا الغناء وركل الكرة.. ولابأس من تعلم لغة انجليزية او صينية.. أو حتى عربية..

ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

شاهد أيضاً

نَحْنُ شُطَّارٌ فِي اخْتِلَاقِ الأعْذَارِ

باختصار د.علي عاشور قبل أيام قليلة نجحنا نحن الليبيون في ما يزيد عن خمسين بلدية …