منصة الصباح

إنسانية السوق

فتحية الجديدي

حدثت مع صاحب أحد محال المواد الغذائية القريبة من مكان سكننا وسألته متعجبة « هل تعلم أن ثمن علبة الحليب وصل سبع دنانير ؟!» فأجابني الشاب الخلوق الدمث : «ابتعته من تاجر الجملة بسعرٍ غالٍ ، وهو اشتراه من تاجر «جملة الجملة» بسعر مرتفع».

بادرته حينها «ومن أين تصل السلع ؟» فرد قائلًا : «من الشركات والقصة قصة اعتمادات ، وعملية الاستيراد تخضع لمعايير تجارية تتعلق» بميكانيزم « السوق ومن أهمها سعر الصرف العالمي مقابل الدينار الليبي وتحكم رؤوس الأموال.
عندها سألت : بالنسبة للسلع الموجودة لديكم قبل أن يرتفع سعر الدولار إلى سعره الحالي .. بأي الأسعار تبيعونها ؟ وعندما أجاب بأنه قصد أحد المشايخ حول هذا الموضوع – والذي أفتاه بأن تغيير السعر صحيح شرعاً – أحسست بأن الإجابة غير مقنعة.لست بعالمة فقه ولا أدعي ذلك ولا أقدم مقاربة دينية وشرعية حتى للموضوع، لكنني حاولت أن أثبت نظريتي الإنسانية والتي أعتبرها منطقية ، بأن السلع التي تم استيرادها بأسعار أقل ووصلت للتجار بسعرها، يجب أن تباع بذات هامش الربح، فكيف يتم بيعها للمواطن بنفس سعر السوق الحالي في ظل الغلاء الفاحش؟ وكيف يوضع المستهلك في حفر تذبذب الأسعار والسلع موجودة أصلا مع فارق توقيت الاستيراد ؟!، ونحن نعرف جيدًا أن جلَها تخضع لعمليات التخزين ، فمن يستطيع أن يشترى كرتونة البيض الواحدة بسبعة عشر ديناراً وعلبة الزيت بعشر دنانير والتونة والجبن واللحوم بأسعار خيالية، باتت تطبق على صدور المواطنين.عندما شعر البائع – صاحب المحل – بنبرة صوتي الموجعة أخبرني عن نيته في مساعدتي، وعند ما سمع من عبارات تذمر وأسف لحالة المواطن المسكين الذي لا يتقاضى علاوة مالية ولا راتباً قوياً ويفتقد لأبسط الأشياء ، رد بنبرة تفيض إنسانية» تبي حاجة تفضلي .. استحقيتي أي حاجة ما عندكش مشكلة .. ولو تعرفي حد عادي تفضلي».

هنا أقول إن العطف غلب الجيوب ، والمودة قضت على تغّول التجار وأصحاب الاعتمادات الضخمة ، وأن لغة العون أقوى بكثير من سعر الدولار، ولو خسر صاحب الخير بمحله الصغير بعض المال، إلا أنه كسب عظيم القناعة.
كم تساوي بضاعة «محمد « – بعد أن أردت الكشف عن اسمه – وكم من حسنات مقابل تجارته مع الله عز وجل وهو يكف جوع الفقير والمحتاج ؟
سؤال تضمنت إجابته في القرآن الكريم ومنها قوله تعالى « وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» سورة النور(22)

شاهد أيضاً

صلاح البلاد في إصلاح التعليم

للتذكير جيل الخمسينات وانا أحدهم كانت الدولة حديثة العهد وتفتقر للمقومات ، والمجتمع يعاني متلازمة …