بقلم / آمنة الهشيك / أستاذة قانون
وسائل الإثبات هي عيون العدالة التي يرى بها القاضي وهمزة وصل بين الجريمة المرتكبة والجزاء المقرر لها ، ويعرف الإثبات الجنائي بأنه كل ما يؤدي إلى ظهور الحقيقة ونسبة الجريمة لمرتكبها .
ما هي حدود سلطة القاضي الجنائي في تقدير أدلة إثبات ؟
القاضي في الوقائع الجنائية له حرية واسعة في تكوين عقيدته وتقدير جميع الأدلة بما يطمئن له ، فكل الأدلة مهما كانت قوتها تتساوى أمام القاضي الجنائي ، بعكس القاضي في المسائل المدنية فدوره مقيد بأدلة إثبات محددة بحسب قوتها ،وإن كان له حرية التقدير بالنسبة لبعض الأدلة التي لا يحدد لها القانون حجية معينة كشهادة الشهود مثلا ً.
ويعد القانون الليبي في طليعة التشريعات التي أكدت مبدأ حرية الاقتناع وذلك من خلال نص المادة 275 إجراءات جنائية والتي تنص على أنه : ( يحكم القاضي في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته ، ومع ذلك لا يجوز له أن يبني حكمه على أي دليل لم يطرح أمامه بالجلسة ) .
كما ورد التأكيد على هذا المبدأ في أغلب التشريعات العربية والغربية منها نص المادة 212 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري الصادر بالأمر رقم 66 – 155 لسنة 1966 م (10) ،.
المادة 147 من قانون أصول المحاكمات الأردني رقم 9 لسنة 1961 م المادة 151 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي رقم 17 لسنة 1960 م .
إذا كان القاضي يتمتع بحرية واسعة في تقدير الأدلة فهل له أن يعتد بأي دليل حتى وان كان تم التحصل عليه بطرق غير مشروعة ؟
القاضي يتمتع بحرية واسعة في تقدير الأدلة إلا أنها (ليست مطلقة( ، وإنما مقيدة بمدى مشروعية الدليل الذي تحصل عليه انطلاقاً من قاعدة أن الأصل في الإنسان البراءة ، المتهم يجب أن يعامل على أساس أنه بريء في مختلف مراحل الدعوى إلى أن يصدر بحقه حكم بات،هذا ويقتضي أن تكون الأدلة التي يؤسس عليها حكم الإدانة مشروعة وتترك الحرية للقاضي في تقديره للأدلة بحيث يكون مرجعه دائماً إلى ما يتوافق مع العقل والمنطق بشرط أن تطرح على بساط البحث في الجلسة.
فكل التشريعات التي تأثرت بالنزعة اللاتينية في صياغة نصوصها القانونية بما فيها التشريع الليبي تؤكد أنه ينبغي استبعاد أي دليل تم الحصول عليه بطريقة غير مشروعة وهو ما نجده جليا في نصوصها القانونية من عدم انتزاع الاعتراف من المتهم كرها وأن يكون التفتيش وليد إجراءات صحيحة وعدم اللجوء للقوة في استجواب المتهم .
فالمذهب المختلط يوفق بين قناعة القاضي و قناعة المشرع من جهة أخرى، وعلى العكس من ذلك في القوانين ذات الصياغة الأنجلوسكسونية القاضي يحكم بأي دليل أن كان مشروع أو غير مشروع طالما أنه أدى إلى إثبات الجريمة ، بل حتى في هذه القوانين ترد استثناءات في كيفية الحصول على الدليل ولا مجال لتوضيحها في المقال .
ما مدى حجية التسجيلات الصوتية وكاميرا الفيديو للاثبات ؟
الأصل أن الجرائم يجوز إثباتها بكافة الطرق القانونية ، فلم يعد الإثبات الجنائي لدى هيئة القضاء قاصرا على الأدلة التقليدية فحسب كالاعتراف وشهادة الشهود ، المعاينة ،بل أصبح للأدلة الرقمية دور في الحجية لا سيما مع صدور قانون الجرائم الالكترونية(5) لسنة (2022)
إلا أن البعض يعتبر هذه الوسائل تعد قرينة وليست دليل فالقرينة لابد أن تسندها قرائن أخرى ،ولكن في كل الأحوال هي شأنها شأن أدلة الإثبات تخضع لتقدير القاضي أما كاميرات المراقبة الموجودة في الأماكن العامة (الشوارع ،الأسواق ، المستشفيات ، أو المؤسسات العامة هي لا تعد انتهاك لحرمة وخصوصية الأفراد ، ذلك أنها وسائل لضمان لحفظ النظام والممتلكات وتجنب الحوادث وضمان التزام الزبائن بالشروط المفروضة، لذلك يمكن الإستناد عليها ولها الحجية في الإثبات غير أنها شأنها شأن الأدلة الأخرى تخضع للسلطة التقديرية للقاضي.
إذا وحتى لا يقع أحد تحت طائلة الابتزاز فأي تسجيل إن كان صوتي أو مرئي تم الحصول عليه بطرق غير مشروعة أو بوسيلة مخالفة للقانون بحيث ينتهك قاعدة دستورية نص على مراعاتها لا يكون لها أي قيمة في الإثبات ، لذلك ينبغي استبعاده من ملف القضية ويحظر على القضاة والخصوم الرجوع له أو استخدامها ضد أي من الخصوم ويكون الحكم فاسد الاستدلال ، لأنه إذا ما سمح بقبول الأدلة التي تكون وليدة إجراءات باطلة ، فإن الضمانات التي كفلها القانون لحماية حقوق الإنسان وكرامته وحرمة مسكنه لا قيمة لها ، إلا إذا كانت تفيد في براءة المتهم ، أو تم التحصل عليها تحت رقابة القضاء، أي عن طريق سلطة مختصة (النيابة العامة) وذلك بعد صدور أذن من قاضي جزئي وهو ما نص عليه صراحة في المادة 79 من قانون الإجراءات الليبي بشرط أن تكون هناك دلائل كافية على صلته بجريمة ما ،ويعد هنا من إجراءات التحقيق في هذه الحالة.
إذاً ما حكم التسجيلات الصوتية التي تحمل عبارات سب وقذف وتهديد والتي تم تسجيلها دون علم المتهم ؟
كثرة النظر في القضايا الناشئة عن قيام بعض الأشخاص بتسجيل ما يردهم من عبارات سب أو شتم….الخ ، فيدفع المتهم ببطلان هذه التسجيل بسبب أنها تمت بدون إذن من جهة قضائية ، أو أنه ليس بصوته ؛ باستقراء نص المادة }15{من قانون الاتصالات رقم 22 لسنة ،2010 نصت في الفقرة ج } للجهة المختصة اتخاذ أي إجراء لحماية الأشخاص من المضايقات أو المكالمات العدائية أو الغير قانونية و إحالة الأمر إلى الجهة المختصة{ فإذا كان المشرع قد أباح وضع الهاتف تحت المراقبة للتصدي للمضايقات وذلك لحماية الأفراد ،
فحتماً لا جناح على المجني عليه إن قام هو بنفسه بتسجيل هذه المضايفات كما أنه لا ينتهك خصوصية الطرف الآخر إذ أن الأخير هو من اتصل ولمتلقي الاتصال بتسجيل ما يرد له من عبارات تعد جريمة قانونا وذلك لحماية نفسه فهذه التسجيلات يؤخذ بها ويستدل عليها في الإثبات ، أما إذا ادعى المتهم أنه ليس صوته فهنا يكون للقاضي السلطة التقديرية للاستعانة بخبير فني وأخذ بصمة الصوت ومضاهاتها وإعداد تقرير فني بذلك من خلال أخذ بصمة الصوت وله السلطة في الحكم ، فحق الدولة في ملاحقة الجناة يظل مجرداً من أي قيمة ما لم يستند على إثباث مبني على الجزم واليقين ، إذ أن الشك يفسر لمصلحة المتهم.