منصة الصباح

هل حقا الإسلام في الأسر ؟

عمـــق

بقلم : علي المقرحي

 

في يوم ما قبلنا بأن ” في الحاجة تكمن الحرية” وسلمنا بذلك، دون أن نتساءل، ودون أن نتذكر بداهة أن الحرية هي أساس الحاجات كلها وأهمها، وها نحن اليوم نكابد ما ترتب عن إنسياقنا مع ذلك الوهم الذي زرع في أذهاننا وفرض علينا باليات الترغيب والترهيب، وعن لهاثنا المحموم وراء الحاجات التي تداخلت معانيها واختلطت قيمها، حتى غابت وتلاشت مقاييس التمييز بين الضروري منها الذي لا يمكن تجاهله ولا الاستغناء عنه لكونه ضرورة حيوية، والكمالي الذي يمكن تعويضه بغيره وحتى تجاوزه، ذلك اللهاث الذي استمرأناه حتى غدا ديدنا لنا وعادة مكتسبة أضيفت إلى عاداتنا التي لا يمكننا إدعاء أنها حسنة كلها وكانت أسوأ العادات جميعا فقد نسينا ونحن نغرق في طوفانها، الحرية كقيمة لاتدانيها حتى الضرورات الحياتية المباشرة سموأ وأهمية، وذلك لما لها من مكانة أساسية إزاء وجودنا الآدمي والوجود في عمومه وما يؤسسه من معان وقيم، لينحصر وجودنا في بعدها السطحي ( الواحد ) الضحل، وتختزل معانيه وقيمه في التبجح بالمظاهر المبتذلة والانتماءات الأكثر ابتذالا، فما عدنا ننتمي إلى آدميتنا وإنسانيتنا، بل إلى رتبنا ووظائفنا وقبائلنا وأزقتنا وقرانا وأيديولوجياتنا، وبالخلاصة إلى كل ما يجسد الرؤى الظلامية والعدمية . لننتهي من ذلك إلى أن نغدو أعداء لأنفسنا ولبعضنا البعض ولحريتنا أيضا. وإذا ما عن السؤال عما هي العلاقة بين السؤال ” هل حقا الإسلام في الأسر؟ ” وبين الحديث عن كون الحرية في الحاجة، فالجواب، أو بالأحرى إن محاولة الجواب، تنطلق من كون القولين يقومان في أرضية واحدة ويتفرعان عن البذرة نفسها، وإذا خلص بنا قول أن ( في الحاجة تكمن الحرية) إلى ( المؤتمر الشعبي ) كمحجة أخيرة وخلاص نهائي من كل ما يجئ عن الافتقار للحرية وللحاجة من إشكاليات ومازم، فإن قول أن ( الإسلام في الأسر) يخلص بنا إلى الجامع كتجسيد لتلك المحجة وذلك الخلاص النهائي. وإذا لم يغب عن أذهاننا أن الذي فرض علينا أو أقنعنا ” فلافارق في الحقيقة ” بأن في الحاجة تكمن الحرية، استحوذ على حاجاتنا وحريتنا معا، وأوهمنا بأن كل من ورث مالا أو أرضا أو عقارة ” من بيننا ” وكل من تميز بشيء من ذلك اكتسبه بعرق بجبينه، أو بما أتاحته له معارفه وجهوده، هو من يستحوذ على حاجاتنا ومن يحتكرها دوننا وهو بالتالي من يسلبنا حريتنا، لننقلب من ثم إلى أعداء لبعضنا البعض بل ولأنفسنا وذلك بتغول أنانياتنا وخضوعنا للنزوعات الاستحواذية التسلطية المتدنية، فإن محاولتنا استطاق إدعاء أن ” الإسلام في الأسر ” تستحضر ذلك كله، لتحاول القول أن أيا من الذين يحاول هذا القول بكل ما يسوقه من مسوغات ومبررات، وهم تحديدا الفقهاء والمفسرون والشارحون، لم يحاولوا أن يفعلوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ما فعله عزرا الذي يسمى ” كاتب الوحي ” وأحبار اليهود برسالة موسي التي أفرغوها من جوهرها وأفقدوها حقيقتها وحولوها إلى أيديولوجيا عنصرية ظلامية عدمية مناقضة كليا لما جاء به موسى عليه السلام، أو ما فعله ألد أعداء عيسى ورسالته، شاوول الطرسوسسي، الذي صار بعدما صور دين المسيح عليه السلام إلى نسخة إضافية من أيديولوجيا عزرا ” ببولس الرسول ” ومازال المسيحيون يعدونه أهم من كل حواريي المسيح، بل ولا يقل أهمية عن ابن مريم نفسه .لقد كان جديرة بالاعتبار ومستحقا التأكيد القول بأن اليهودية والمسيحية في الأسر، وأنهما مكبلين بين أسوار برج بابل، تلك الأسطورة التوراتية التي صيغت أساسا بهدف التزوير والمغالطة والسفسطة باسم الدين. إن أيا من فقهاء الإسلام ومفسريه وشارحيه، لم يحاول أن يقترف في حق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ما اقترفه أحبار اليهود وكهنتهم وربيوهم في حق رسالتي موسى وعيسى، وإذا نحن اكتفينا بإدراج جهودهم واجتهاداتهم، وما أصابوا فيه وما أخطأوا في هذا الاتجاه المنحرف وأولناها “وبافتراض حسن النوايا هذا التأويل فإننا في الواقع نسيء الفهم، وإذا جاء ذلك من مفكر يضايقه .

يؤكد أن سوء الفهم مشكلة لا تحتمل ” فلا بأس من أن نعيد قراءته، آملين ألا تكون قراءته عن إساءة فهم متعمدة، فلا يعقل أن يفوت النيهوم أن ( تهافت الفلاسفة ) وكذلك ( تهافت التهافت ) على ما كان من تناقض ظاهر بينهما، إنما كتبا وكل من منطلقه الخاص ولغته وبراهينه لتأكيد الإسلام لا لنفيه ولا لأسره في برج بابل، ولا أن يفوته أيضا أن الإسلام غير قابل للأسر، ذلك أن الذكر الذي يقول الخالق تعالى في حقه ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (۹) سورة الحجر، وكون الذكر محفوظة فذلك معنى عدم إمكانية أن يؤسر الإسلام، أما من لديه القابلية ومن قد يؤسر في برج بابل وفي متاهة ما بين الحاجة والحرية، فهو المخلوق الذي میزه خالقه بالوعي وبالحرية ، وهو أيضا من بإمكانه بالذكر أن يقى نفسه من الأسر، وأن يتحرر منه إذا ما وقع أو أوقع فيه قسرا .

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …