منصة الصباح

أزمة حق المواطنة الليبية 4 – 4

عرض  / أنس الفقي

” اللهـم رب السـموات السـبع و رب الأرضيـن السـبع ، أن تجعـل كل مـن حفـر لليبيـا حفـرة يكـون مغلاقهـا راسـه ”

(الرايس درغوت باشا )

الثقافــة والمــوروث الشــعبي المملــوء بالشــوائب والتحريفــات هــي المســؤولة الناتجــة عــن حــوادث الانقلابــات والفوضــى والحــروب الأهليــة والثـارات والاحتـلال الأجنبـي عاشـها الليبيـون فـي فتـرات تاريخيـة متلاحقـة؛ وليـس مـن وسـيلة لمعالجـة تلـك الشـوائب سـوى بمراجعـة الوثائـق والمصـادر التاريخيـة ومقارنتهـا مـع مـا تناولـه الثقافـة و المـوروث الشـعبي مـن قصـص و حـوادث، للتأكيـد علـى فاعليـة هـذا الاجـراء وسـنطبق هـذا المعيـار علـى القصــة الشــعبية ” زيتونــة بايــع راســه » وهــي واحــدة مــن أهــم الحــوادث الليبيـة التاريخيـة التـي يحتفـظ بهـا المـوروث الشـعبي والتـي تختلـط فيهـا الحقيقـة بالمبالغـة حيـث جـرت أحداثهـا إبـان نهايـة حكـم الدولـة القرمانليـةو ســقوط ليبيــا فــي دوامــة الحــرب الأهليــة و الفوضــى.

فالثقافـة والمـوروث الشـعبي مازالتـا تروجـان إلـى أن الصـراع فـي الواقعـة المعروفـة شـعبيا بــــ ” زيتونـة بايـع راسـه ” فـي بدايـة الحـرب الأهليـة الليبيـة القرمانليــة الثانيــة (-1831 1835 )علــى أنــه صــراع بيــن الأتــراك بقيــادة يوســف القرمانلــي (الكراغلــة ) والعــرب ( الصــف الفوقــي ) بقيــادة الزعيــم القبلــي عبدالجليــل ســيف النصــر وفــي أحاييــن أخــرى تــروج لــه علــى أنــه صــراع بيــن البــدو والحضــر وعــدم قــدرة المــوروث الشــعبي علــى تحديــد أطــراف الصــراع فــي تلــك الحادثــة لهــو دليــل علــى أن قراءاتهــا للأحــداث لا يســير وفــق ضوابــط علميــة وللأســف فــإن البعــض يروجــون لمثــل هكــذا مغالطـات فرضتهـا قـوة تأثيـر المـوروت الشـعبي علـى المواطـن الليبي بشـكل عــام ، بينمــا تؤكــد الوثائــق التاريخيــة عــن تــردد ( الكراغلــة) فــي مواجهــة قبائـل الصـف الفوقـي بموقعـة ” زيتونـة بايـع راسـه ” بسـبب تصـادف توقيـت المواجهـات مـع بدايـة موسـم الحـرث و كانـوا الكراغلـه يخشـون مـن أن اطالــة عمــر المواجهــات قــد يعطــل الموســم الزراعــي الجديــد وتــردد الكراغلـة و إصرارهـم علـى وقـف المواجهـة كان واحـد مـن الأسـباب فـي عــدم تمكــن الحكومــة القرمانليــة مــن القضــاء علــى تمــرد عبدالجليــل سـيف النصـر،

ثـم أن عبدالجليـل سـيف النصـر زعيـم الصـف الفوقـي كان ّ فـي حلـف مـع قبيلتـي المقاوبـة و الفراطسـة وهمـا قبيلتـان تنتميـان لقبائـل الكراغلــة بمصراتــة وهــذا يدحــض ماتــروج لــه الثقافــة الشــعبية الســائدة علــى أن الصــراع كان تركــي – عربــي، أو بــدوي – حضــرى. زيــادة علــى ذلـك، فـإن قبائـل السـاحل و ترهونـة فضـلا عـن الكراغلـة شـاركت الحكومـة القرمانليـة فـي الموقعـة ” زيتونـة بايـع راسـه ” ضـد الصـف الفوقـي وقبائـل السـاحل و ترهونـة ليسـوا مـن الكراغلـة، كمـا رفـض غومـة المحمـودي زعيـم » صــف اوالد لامرمــوري » وهــو المحســوب علــى البــدو طلــب عبدالجليــل ســيف النصــر – المحســوب أيضــا علــى البــدو – الانضمــام للثمــرد ضــد ً الحكومــة فــي طرابلــس إذا فالصــراع لــم يكــن صــراع بــدو ضــد حضــر و ممــا يؤكــد علــى أن الصــراع هــو صــراع ( أمــراء حــرب ) محــض،

انضمــام الزعيـم القبلـي عبدالجليـل سـيف النصـر فـي آواخـر الحـرب الأهليـة الليبيـة القرمانليـة الثانيـة ( 1831-1835 )إلـى صـف الكراغلـة تحـت قيـادة البـك “محمـد القرمانلـي ” الثائـر ضـد جـده “يوسـف القرمانلـي” وحسـب مـا يذكـر د. كــولا فولايــان فــإن البــك “محمــد القرمانلــي ” قــد عيــن زعيــم الصــف الفوقــي عبدالجليــل ســيف النصــر واليــا علــى فــزان، فيمــا عيــن ” محمــد ابرهيـم بيـت المـال ” مـن زعامـات قبيلـة الكراغلـة رئيسـا لحكومتـه والقـارئ لأحــداث تلــك الفتــرة يــدرك أن الصــراع العســكري خــلال الحــرب الأهليــة الليبيـة القرمانليـة الثانيـة (1831-1835 ) ً كانـت تتغيـر فيـه التحالفـات تبعـا لتغيــر مصالــح أمــراء الحــرب والمثـــل الشــعبي لليبــــي القائــل ” الضــرب للمحاميـد و الصيـد لغومـه » يعكـس بدقـة حقيقـة مسـار صـراع الزعامـات فــي تلــك الفتــرة وحيــن نســتعين بالمثــل الشــعبي ” الضــرب للمحاميــد و الصيــد لغومــة » المنتمــي للمــوروث الشــعبي الليبــي و الــذي يــؤرخ لحقبــة الحـرب الأهليـة الليبيـة القرمانليـة الثانيـة (-1831 1835 )و بدايـة الأحتـلال التركـي ) -1835 1911 ) فهـذا يؤكـد بأننـا لسـنا ضـد مـا جـاء فـي المـوروث و الثقافـة الشـعبية بالمجمـل ولكـن مـع تصفيتهـا مـن المبالغـات و التحريفـات التـي ترافـق مثـل هكـذا حـالات مـن الفوضـى و عـدم الاسـتقرار.

إذا ســلمتم بقــدرة المعياريــة أعــلاه بالوثائــق و المراجــع التاريخيــة فــي قدرتهـا علـى تصحيـح الثقافـة والمـوروث الشـعبي مـن الشـوائب والتحريفـات، فأنتـم لسـتم فقـط علـى بـاب الحصـول علـى تاريـخ وطنـي مـن غيـر شـوائب، بـل علـى بـاب القضـاء علـى خطـاب الكراهيـة نهائيـا بيـن الليبييـن.

شاهد أيضاً

اعتماد تصميم طوابع بريدية خاصة بوزارة الثقافة

اعتمد اليوم الخميس، تصميم طوابع بريدية خاصة بوزارة الثقافة والتنمية المعرفية “مواقع ليبية على قائمة …