هذا الكائن الخرافي
—————-محمود السوكني———–
لحكمة إلهية لا يخطئها أي عقل مستنير ، فضّل الخالق سبحانه و تعالي الأم عن سائر المخلوقات و أنزلها أعظم مرتبة بل سخر جل شأنه الجنة , و هي أمنية كل عابد أوّاب ، تجري تحت أقدامها لسمو رسالتها و علو منزلتها .
و لست هنا في وارد تبيان أفضال هذا الكائن الخرافي الذي لولاه لما توالت أجيال البشر و لانعدم الخير من الدنيا ، واضمحل كل ما فيها من جميل و طيب .
لست في صدد تعداد مزايا هذا المخلوق المتفرد في خصاله الذي أوكلت له مهمة لا يحسنها غيره ، و لا تقوم بغيابه ، و لا تنهض بدونه ، فالحياة هو قوامها ، و مصدر تدفقها وسبب استمرارها و هي مهمة اختصت بها الأم تنفيذاً و طاعة و انصياعاً لإيعاز إلهي تكريماً لها و تعظيماً لشأنها .
ونحن إذا ما تصفحنا القرآن الكريم و طالعنا الآيات العديدة التي تحصي مناقب الأم و فضائل إرضائها و کسب مودتها لاحتجنا إلى صفحات هذه المطبوعة كلها ونستزيد !
و إذا راجعنا ما جاء في الأحاديث النبوية ، و درسنا السيرة العطرة لسيد الكائنات و ما حوته من تعظيم و توقير لمكانة الأم و كيف كانت تحظى باهتمام و رعاية و حسن معاملة من جاء ليتمم مكارم الأخلاق صلى الله عليه وسلم ، لما كفانا هذا الحيز و لا هذه الصفحة على اتساعها !
و .. التاريخ في مجمله خير شاهد على التضحيات الجسام التي تدفعها الأم دماً و عرقاً و إحساساً و مشاعراً و دموعاً تذرفها مآقيها فرحاً و هي تلاحظ السعادة ترفرف على من تحب ، و إن كان ظالماً ، و إن كان جحوداً ، وإن كان كافراً بنعمة وجودها ، فيكفيها أن من حملته في أحشائها وهنا على وهن سعيداً تسري الحياة في عروقه !!
الأم هذا المخلوق البديع الذي لا ينام الليل حتى تغفو كل العيون ، و لا يأكل حتى تشبع كل البطون ، و لا يلبس حتى تلتحف كل الأجساد ، وكل همه أن يعيش لنحيا و نقوی و ننطلق .
مخلوق بهذه الصفات و هذا العطاء ، و هذه الأخلاق التي تقترب من سجايا الأنبياء و الرسل ، كيف نكافئه بل كيف نرضيه و نجازيه عن أفعاله الجمة و تضحياته المذهلة و عطاياه المتدفقة السخية ؟!
لو سخرنا أعمارنا ، و أوقفناها على خدمتها ، ما كفيناها حقها ، و لا عادلنا بعضاً من مآثرها علينا !!