بدون سقف
بقلم / عبد الرزاق الداهش
لم يجد مندوب ألمانيا في مجلس الأمن إلا يبتلع ريقه، أمام أسئلة الصحفيين، بعد جلسة انتهت بلا شيء.
كانت ألمانيا هي من تترأس مجلس الأمن، وكان مندوبها يتسول إذنا من الدول الكبرى لإلقاء بيان باسمه الشخصي، يتضمن دعوة لإيقاف الحرب، ولكن جميعهم رفضوا ذلك.
كان الدخان الاسود يخرج من جنوب طرابلس، في مفاجأة لعالم كان ينتظر أن يخرج الدخان الأبيض من غدامس بعد أيام قليلة.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة يحاول أن يخفي انكساره، فالقذائف لم تسقط على طرابلس فقط، أنها تطال برج المنظمة الأممية في حي منهاتن بنيويورك.
كيف تقف امريكا مع روسيا كتفا بكتف إلى جانب الحل العسكري في ليبيا، رغم أننا على مسافة عشرة أيام من الحل السياسي، أو من اختبار الحل السياسي؟
ما يظهر أمام رادارات العالم، أن حفتر على بعد كيلومترات من قلب طرابلس، بينما يحتاج السراج إلى أكثر من ألف كيلومتر للوصول إلى الرجمة.
قصة الديمقراطية، والدولة المؤسساتية ليست أولوية في ليبيا، أو أي دول عالمثالثية بالنسبة للدول الغربية.
ويكفي أن إصابة عاهل السعودية بنزلة برد تشكل تهديدا للأمن القومي الأمريكي، رغم أن هذا المنطقة لم تشهد حوارا سياسيا منذ سقيفة بني ساعدة قبل أربعة عشر قرنا.
يعني السياسة هي فن إدارة المصالح، لا إدارة المبادئ الاخلاقية، ففرنسا التي كانت ضد غزو العراق، اختارت ان تكون شريكا فيها، وقال ميتران: حتى ولو لم نكن مع الحرب من حيث المبدأ فلابد أن نكون فيها لئلا أن نصبح خارج نتائجها.
مصر التي تفتقر إلى سياسة دولة مازالت أسيرة سياسة النظام، وهي من بذلت جهد استثنائي لتسويق حفتر، ولعل نصف زيارة السيسي لواشنطن، كانت لهذا الغرض، والسبب هو تصدير الحالة المصرية إلى ليبيا، بكل مستحضراتها.
أمريكا ليست مهتمة بليبيا، ولعلها في مرحلة عدم وضوح الهدف، وقد حصرت همها في هزيمة داعش، ولكن مد الأرجل الروسية على قد أحلام موسكو وليس غطاء الاتحاد الروسي يستفز واشنطن، التي اقنعها السيسي بأن حفتر سينهي الفوضى، وشريك في محاربة الإرهاب يطمأن إليه.
موسكو تعرف أن ليبيا خارج مجالها الحيوي، ولكن في السياسة الفرصة لا تتكرر مرتين، وتواجدها على النوافذ الجنوبية لأوروبا يعني ورقة تفاوضية أمام الأوروبيين، ولعل الأهم افريقيا ما وراء الصحراء.
زيارة حفتر للرياض قبل الحرب مباشر رسالة تأييد واضحة من قبل السعوديين للحرب، وكان صدام أبن حفتر، يخرج بحقائق مملؤة بملايين الدولارات من القنصلية السعودية، بتونس العاصمة.
كان شيوخ الامارات الصغار هم الأكثر سخاء مع مشروع حفتر، ولأسباب اقرب لمزاج حاكم أبوظبي، وسطوة المراهقة السياسية، منها إلى مصالح الإمارات العليا.
وكانت ليبيا بالنسبة لهم أشبه ما تكون بلعبة “بلاي ستيشن”، كما لو أن من يموت في هذه اللعبة هم أشخاص افتراضيين، وليسوا ليبيين لحما ودما.
كانت فجوى واسعة بين مواقف الدول الكبرى المعلنة، ووقفاتهم غير المعلنة، وإذا استثنينا بريطانيا، فقد كانت سيوف الدول الأخرى، وحتى قلوبهم مع حفتر.
ولكن كيف تحول الموقف الدولي من الأسود إلى الرمادي على رأي غسان سلامة، وكيف انقلب في مرحلة تالية هذا ما سنتناوله في حلقة أخرى.