منصة الصباح
محمد الهادي الجزيري
محمد الهادي الجزيري

لذا.. عليّ المقاومة..

  محمد الهادي الجزيري

أغلق الشاشة والمذياع وأدوات التواصل الاجتماعي.. دفعة واحدة كي لا أرى ولا أسمع هذا المناحة العالمية المتزايد علو صوتها لحظة بعد لحظة..

أغلق كذلك نوافذ البيت المطل على تونس وضوضائها وخاصة كلام الناس هذه الأيام الحالكة..، فلا حديث ولا نقاش ولا ثرثرة إلا على فلسطين وغزة والدم الهادر المسفوك في غيمات الخلق.. الهارب من جحيم الصواريخ إلى جهنم القنابل..، أغلق النوافذ والأبواب كي لا يصلني شيء.. من هذا الخراب العالمي.. اللا مسبوق.. إذ لم تشهد الإنسانية شيئا كهذا..( لم أجد لفظا أو جملة أصف بها الحالة الاستثنائية التي يعرفها العالم).. اللهم ارفق بأهل غزة وفلسطين.. فقد جفت العيون من البكاء وتلاشت عبارات الإدانة والشجب والدعم وووو..، كأنني أعيش نهاية العالم…

أركن نفسي في ركن قصي عن الأسرة وضجيجها.. وأغلق عينيّ وأسدّ أذنيّ.. وأدفن رأسي تحت الغطاء لكي لا يصلني هذا الذي يصلني..، يا إلهي من شحنني بكلّ هذه الصور وكلّ هذا الصراخ.. بكلّ هذه الأشلاء الممزقة المترامية في داخلي..، سأجنّ إن ظللتُ هكذا… ،حتى وقد أغلقت كل شيء.. مازلت ممتلئا بالقضية.. خاصة وقد صارت قضية العالم.. ،فقد طرقتْ كلّ باب وفتحتْ كلّ بواطن إنساني عميق.. لأنها الحقيقة المغيبة لعقود كثيرة..، لأسباب كثيرة منها تحالف أمريكا طاعون العالم مع إسرائيل جرثومة مستخرجة من مخابر الغرب المجرم..، وخاصة أيضا صمت الناس ومنهم الكتاب والشعراء.. الذين انشغلوا عنها بأشياء هامة.. ولكنها ليست في أهمية المعضلة القومية العالمية…..

ماذا أقول..؟ ، أغلقت ما يغلقُ.. وأجدني أنا نفسي غير قابل للإغلاق.. لأن ما يضجّ ويصرخ ويندب ما هو إلا أناي المفجوعة في الأهل والأمة…، لذا.. عليّ المقاومة.. ،عليّ أن أقوم من مكاني المعزول.. وأفتح ما أغلقتُ..، عليّ أن أرى كلّ شيء.. وأوزعه على أدوات التواصل الاجتماعي.. لكي يراه العالم..، علي أن أؤمن بالنصر.. رغم أشلاء هذا الطفل العالقة بنفسي….

وختام هذا النشيج والصراخ والهتاف :

« لن يقدروا أن يقتفوا آثار حزن جامح
لن يقدروا أن يقتفوا أثر التحامي بالمنارة
وهي تسقط وامتزاجي بالدم المسفوك في غيمات أهلي وانصهاري في غياهب نقمتي
لن يقدروا أن يقتفوا أثر ارتفاعي بالكلام إلى كلامي
باعة متجوّلين تعلّموا كلّ اللغات وما استطاعوا نسخ ظلّ قصيدتي سيحاولون مُجَدّدا
وسيخسؤون ويقنعون من الغنيمة بالأسفْ
فأنا الألِفْ »

شاهد أيضاً

نَحْنُ شُطَّارٌ فِي اخْتِلَاقِ الأعْذَارِ

باختصار د.علي عاشور قبل أيام قليلة نجحنا نحن الليبيون في ما يزيد عن خمسين بلدية …