كاميرا خلفية
بقلم /أحمد الرحال
مازال الهلع يصيب العالم خوفا من فايروس كورونا المخيف، وعندما يكون الهلع مسيطرا تنهار كثير من القيم ولو بشكل مؤقت، وتظهر على السطح سلبيات على رأسها الأنانية المفرطة التي قد تصل إلى مستوى: فليمت الجميع، المهم أن أعيش أنا.
العالم المستقر ينفضح أمره حين يسيطر الهلع، ويتحقق أمام الأعين قول الله تعالى وهو يصف الانسان: «إن الانسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا».
مفردة «هلوع» على وزن فعول وهي صيغة للمبالغة. فإذا كان الهالع هو الخائف خوفا شديدا فكيف إن تحول الهالع إلى هلوع.
يقال إن الهالع هو النعام النافر السريع، ومظهره في شدة سرعته يجعل تسميته بالهالع مقبولا، فهو سريع كأنه في حالة هلع يفر من شيء ما.
والهلع في علم النفس هو خوف مرضيّ مبالغ فيه وأنواعه كثيرة لأنه خوف غير مبرر في العموم إلا عند من يصاب به.. حين تكون بلاد مثل بريطانيا ومدينة كبرى مثل لندن في حالة استقرار مستمر فإنك تشعر بالأمان إلى درجة الشعور الدائم بأن هذا الاستقرار لا يمكن أن يتزحزح مهما حدث. إنها حالة استقرار ثابتة دائمة يصل فيها الشعور بالطمأنينة إلى الإغراق فيه، فيصير شعورا بأمان وكأنه أزلي أبدي ثابت.
حالة الشعور بالاستقرار هذه حين تهتز ولو قليلا جدا يظهر الهلع المختفي وراء قشرة الخوف الواهية التي تختفي هي الأخرى وراء قشرة طلاء من الأمان العام، أمان لم يكن حدثا عابرا بل جاء بعد قرون من الكفاح والبناء.. كورونا فايروس، كما يسمونها، كشفت حقيقة الرعب الساكن في النفس البشرية التي اعتادت الأمان، فإذا ذهب الانسان في لندن هذه الأيام للتبضع من أسواقها سيجد معظم الأرفف خالية من البضائع، الخضراوات والمعلبات والفواكه والمعجنات كلها تختفي بسرعة مهولة من الأرفف فضلا عن البضائع التي لها علاقة مباشرة بسبب حالة الهلع، وهي مواد التنظيف بمختلف أنواعها ومحلولات الوقاية وغيرها.
الناس في حالة هلع من أن يصابوا بالفايروس الملعون حتى وصل بهم الأمر إلى التبضع بطريقة هلعة كيلا يحتاجوا إلى الخروج من بيوتهم والاختلاط بالناس كثيرا خوفا من أن ينتقل المرض إليهم.
سيدة جمعت كلما وجدته من صابون في أحد الأرفف، ولم تترك فرصة لمن يقف منتظرا بعدها لكي يحصل ولو على قطعة واحدة، لم تعره اهتماما وهو يحاول أن يلفت انتباهها ولكن هيهات.
في بلدان يرى الناس فيها الموت كل يوم ويعيشون فيها الرعب الدائم لا تجد فيهم حالة الهلع تلك، فلا كورونا مخيفة هنا في طرابلس ولا احتياطات على المستوى الشعبي منها، ربما لأن القذائف والموت الدمار تعتبر خبرا يوميا عاديا، لست في معرض مقارنة غير أن الأمر يحتاج إلى نظرة، فلربما كان لدينا مخزون من الأخلاق يؤهلنا لأن نكون أفضل من غيرنا يوما ما. من يدري؟