منصة الصباح

كـــازينـو‭   ‬(2‭-‬2)

نقوش
بقلم /منصور‭ ‬ابوشناف

إثر‭ ‬حرب‭ ‬فيتنام‭ ‬والانهيار‭ ‬والعجز‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬اللذين‭ ‬ضربا‭ ‬أمريكا،‭ ‬ظهرت‭ ‬نظرية‭ ‬تحرير‭ ‬الدولار‭ ‬من‭ ‬الغطاء‭ ‬الذهبي‭ ‬وتدشين‭ ‬ثورة‭ ‬المضاربين‭ ‬وتجار”البورصة‭ ‬“،‭ ‬ظهر‭ ‬وبمصطلح‭ ‬واضح‭ ‬وجلي‭ ‬“اقتصاد‭ ‬الكازينو‭ ‬“‭ ‬وهو‭ ‬اقتصاد‭ ‬يعلي‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬الاستهلاك‭ ‬ويحول‭ ‬المواطن‭ ‬إلى‭ ‬زبون‭ ‬كازينو،‭ ‬وتتحول‭ ‬سلع‭ ‬الكماليات‭ ‬إلى‭ ‬ضروريات‭ ‬ويهيمن‭ ‬اقتصاد‭ ‬الخدمات‭ ‬بدل‭ ‬الإنتاج‭. ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬التتويجَ‭ ‬لنظريات‭ ‬اقتصاد‭ ‬السوق‭ ‬وديناميكية‭ ‬وحيوية‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬إيجاد‭ ‬الحلول‭ ‬وتخطي‭ ‬العقبات‭ ‬والنهوض‭ ‬من‭ ‬الكبوات،‭ ‬وفرز‭ ‬القيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬وتطويرها‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬يساند‭ ‬حرية‭ ‬تدفق،‭ ‬وحتى‭ ‬عبث،‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ … ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ثورة‭ ‬الطلاب‭ ‬وحركات‭ ‬التمرد‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬كانت‭ ‬“ثورة‭ ‬المدراء”‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬التي‭ ‬فصلت‭ ‬الإدارة‭ ‬عن‭ ‬رأس‭ ‬المال،‭ ‬وجعلت‭ ‬المالك‭ ‬يخضع‭ ‬لإدارة‭ ‬محترفة‭ ‬لرأس‭ ‬ماله‭ ‬تضمن‭ ‬له‭ ‬الربح‭ ‬ولا‭ ‬دخل‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬التفاصيل،‭ ‬تسيطر‭ ‬الإدارة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬ويكتفي‭ ‬ملاك‭ ‬الشركات‭ ‬“الكازينو‭ ‬“‭ ‬بِعَدِّ‭ ‬أرباحهم‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬سهرة‭ ‬غير‭ ‬مكترثين‭ ‬بالوسائل‭ ‬والسبل‭ ‬التي‭ ‬تحققت‭ ‬عبرها‭ ‬تلك‭ ‬الأرباح‭ .‬
امتازت‭ ‬ثورة‭ ‬الطلاب‭ ‬عام‭ ‬،‭ ‬1968‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬من‭ ‬فرنسا‭ ‬،بالرقص‭ ‬والغناء‭ ‬الثوري‭ ‬المعادي‭ ‬للرأسمالية‭ ‬الاستعمارية‭ ‬القديمة‭ ‬وقيمها‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬محافظة،‭ ‬وغيرت‭ ‬أوروبا‭ ‬العجوز،‭ ‬لتجرها‭ ‬أمريكا‭ ‬إلى‭ ‬“الكازينو‭ ‬“‭ ‬كما‭ ‬صورتها‭ ‬رواية”إنهم‭ ‬يقتلون‭ ‬الجياد‭ ‬“‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬فيلم‭ ‬قامت‭ ‬ببطولته”جين‭ ‬فوندا‭ ‬“‭ ‬حيث‭ ‬تنظم‭ ‬شركة‭ ‬كبيرة‭ ‬مسابقة‭ ‬للرقص‭ ‬دونما‭ ‬توقف‭ ‬يسقط‭ ‬فيها‭ ‬الراقصون‭ ‬من‭ ‬التعب‭ ‬ويخسرون‭ ‬المسابقة‭ ‬رغم‭ ‬صمود‭ ‬بعضهم‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬أربع‭ ‬وعشرين‭ ‬ساعة‭ ‬من‭ ‬الرقص‭ ‬المتواصل‭.‬
تنتشر‭ ‬بين‭ ‬الشباب‭ ‬قيم‭ ‬“الهيبز‭ ‬“‭ ‬وهي‭ ‬حركة‭ ‬“كلبية‭ ‬“‭ ‬حديثة‭ ‬ضد‭ ‬العمل‭ ‬والصناعة‭ ‬ومع‭ ‬العودة‭ ‬للحياة‭ ‬الطبيعية‭ ‬وتقديس‭ ‬اللذائذ،‭ ‬لتشكل‭ ‬رغم‭ ‬ثوريتها‭ ‬الظاهرةِ‭ ‬رافداً‭ ‬ممتازاً‭ ‬لفلسفة‭ ‬اقتصاد‭ ‬الكازينو‭ .‬
الكازينو،‭ ‬ورغم‭ ‬مكانه‭ ‬الموحد،‭ ‬“كوزموبليتاني‭ ‬“‭ ‬ولا‭ ‬قومية‭ ‬ولا‭ ‬دين‭ ‬ولا‭ ‬خصوصية‭ ‬له‭. ‬فهو‭ ‬قابل‭ ‬للغناء‭ ‬بكل‭ ‬اللغات‭ ‬والرقص‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الإيقاعات،‭ ‬بل‭ ‬والدعاء‭ ‬لكل‭ ‬الأرباب‭ ‬والآلهة‭. ‬إنه‭ ‬عالمي‭ ‬ومؤسِّس‭ ‬هام‭ ‬لفلسفة‭ ‬العولمة‭. ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬كان‭ ‬لامفر‭ ‬لأكثر‭ ‬البلدان‭ ‬تدينا‭ ‬ومحافظة‭ ‬من‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكازينو‭ ‬العالمي‭ ‬وتطوير‭ ‬آليات‭ ‬هيمنتها‭ ‬على‭ ‬شعوبها،‭ ‬وأن‭ ‬تلجأ‭ ‬إلى‭ ‬السيطرة‭ ‬بغوايات‭ ‬الكازينو،‭ ‬وأهمها‭ ‬الاستهلاك‭ ‬بجنون‭ ‬وعبث‭ ‬التبذير‭ ‬والمقامرة‭. ‬كان‭ ‬على‭ ‬إقطاعيات‭ ‬النفط‭ ‬أن‭ ‬تؤسس‭ ‬كازينو‭ ‬يناسب‭ ‬عاداتها‭ ‬وتقاليدها،‭ ‬وأن‭ ‬تسمح‭ ‬“لثورة‭ ‬المدراء‭ ‬“‭ ‬بالدخول‭ ‬إلى‭ ‬إقطاعياتها‭ ‬وتجديدها‭ ‬لتوافق‭ ‬العصر‭ ‬دون‭ ‬المساس‭ ‬بملكية‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬وأرباحه‭ .‬
اقتصاد‭ ‬الكازينو‭ ‬لم‭ ‬يوفر‭ ‬للرأسمالية‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬أزمتها‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬منح‭ ‬الفرصة‭ ‬لإقطاعيي‭ ‬النفط‭ ‬عبر‭ ‬“البترو‭ ‬دولار‭ ‬“‭ ‬بالتجدد‭ ‬والبقاء‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬مالهم‭ ‬المالي‭ ‬والرمزي‭. ‬فالكازينو‭ ‬الذي‭ ‬دخلناه‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬العربية‭ ‬الكبيرة‭ ‬كان‭ ‬حلا‭ ‬عبقريا‭ ‬لمشاكل‭ ‬الأصالة‭ ‬والتحديث‭ ‬وللديمقراطية‭ ‬والتراث،‭ ‬للانفتاح‭ ‬وحدود‭ ‬الشرع،‭ ‬إنه‭ ‬الخلطة‭ ‬السحرية‭ ‬لنا‭ ‬ولهم،‭ ‬لماضينا‭ ‬والعصر‭. ‬وهكذا‭ ‬نغرق”سكارى‭ ‬ومانحن‭ ‬بسكارى”‭ ‬في‭ ‬ملذات‭ ‬ومهاترات‭ ‬وعنف‭ ‬الكازينو‭.‬
نتصارع‭ ‬على‭ ‬إدارته‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬فلسفة‭ ‬وجوده‭ ‬ومبرارتها‭. ‬ننغمس‭ ‬في‭ ‬“المرابحة‭ ‬“‭ ‬ونتحول‭ ‬إلى‭ ‬كائنات‭ ‬نهمة‭ ‬ومدمنة‭ ‬للاستهلاك‭ ‬ومدينةٍ‭ ‬لمؤسسات‭ ‬ربحية‭ ‬تستغول‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ .‬

شاهد أيضاً

التومي على مذكرة تعاون مع وزارة اللامركزية الجيبوتي

الصباح وقع وزير الحكم المحلي بدر الدين التومي ، و وزير اللامركزية الجيبوتي قاسم هارون …