«بل حلوة مرّة، طوراً يقال لها شهد وطوراً يقول الناس ذيفان»، رائعة مجازية لابن الرومي، يصف بها الفاكهة والمقصد الحياة، بيوميها .. يومٌ السعد وآخر للبؤس.
هي الحياة لا تنفك تتبرم بين هذين الجانبين، مهما اختلفت الأسماء وتعددت الأمكنة، تجاور غصوناً لسن من شجر .. لها وصل وهجران» والعهدة على ابن الرومي هنا أيضاً .. لم يدفعني لذلك إطراء أسبغه على عبقري الشعر الذي جادت به أمشاج أعجمية وقريحة عربية، بل لأننا نطوي الأيام طياً نحو نهاية عام آخر، يستلب من رصيد أعمارنا. تو
نعم .. نحن نودع عاماً غلّفته أرواحنا، بكل ما فيه من نجاحات وإخفاقات ونهوض وكبوات، ولأننا بشر نخطئ ونصحح أخطاءنا .. نرتكب المعاصي ونكفر عن ذنوبنا .. نستيقظ على حقائق ونغفو عن أخرى، وكأن مصائرنا مكبلة بنا، والشيء الذي يعزينا أن ما يصيبنا هو ما كتبه الله لنا وإيماننا القوى بالقدر وما شاء الله فاعل بنا، وكل ما نتعلق به من حكم وتفسيرات في الحياة هي من صنعنا.نودع عامًا بامتداد أوجاعنا وآلامنا، أحيانًا نضل الطريق عندما نفكر في من غابوا عنا – أحياءً أو أمواتاً – وكذلك نذهب إلى مناطق دافئة فينا لنحتمي بها وتقودنا إلى الصور والذكريات والكلمات الراسخة في قلوبنا، لتكون مخزوناً من الدفء نلجأ إليه في حالة تبلد القلوب.
هي عملية توازن بين فرحتنا وحزننا وبهجتنا وبؤسنا، دون أن نعي أننا نسهم في صنعه ونفعل بأنفسنا ما لم يكن مجديًا.
نودع عاماً بما حمله من أشيائنا التي أحببنا وتعلقنا بها والتي لن تعود ، والأيام التي رسمناها كجزء من عالمنا ونعي جيدًا أنها ستنتهي مع انطواء يوم واحد ليحل آخر جديد ، كم من الأحلام التي بقيت معلقة والأمنيات المتبخرة والأهداف المنتظرة ، وكم من حالات بكاء والضحكات مزجتا في خلطة تساوينا.
من منا لم يكتب عن ذكرياته وعاد للماضي وعاش مع الصور وكان له حنين المكان وشوقا لطفولته وشبابه وأيام من رصيد العمر ؟ من منا لم يسجل اللحظات التي كانت تعنيه ولعن كل البؤس الذي مرّ به وأخذ حذره وتعامل مع الأمور بشكل أكثر تصالحًا وأسقط الكثير من حساباته ! لكننا لم نجرؤ يومًا على مكاشفة أنفسنا على من أساء لنا وتعلقنا به، ثم تركناه متأملين خيراً فيما هو آت. لربما هو التفاؤل يغزونا في كل حين، على حين غرة أو بتعمد عندما نغريه ليحتل أفئدتنا، أو لعلها قائمة صداقات ملؤها السموّ الإنساني ودفء المشاعر المتعالية على المصالح الآنية أغنتنا عن الوقوع في فخ علاقات أخرى تكون عبئاً علينا وتشكل علاقة سلبية تؤثر على مشوارنا وتشوه إنسانيتنا ، لهذا وجب علينا أن نلغي كل ما يمنعنا عن الآخرين ضمن فاتورة الخير وكشوفات السعادة ونحن نقدم لهم ما نستطيع من مساعدة .