منصة الصباح

فكيف نفذتِ من وسط الزحام؟

فكيف نفذتِ من وسط الزحام؟

جمعة بوكليب

زايد .. ناقص

من المفيد الإشارة، قبل تورط القاريء الكريم في قراءة هذه السطور، إلى أن كاتبها، كان في حالة صحّية غير عادية، ويعاني من تأثيراتها السلبية على حالته النفسية. وما حدث باختصار، أنه بينما كان، ككل أسبوع، يَعدّ العِدّة ويصمم الخطط، لما يكتبه وينشر من مقالات، تعرّض، خلال اليومين السابقين، للاصابة بنوبة برد شديدة، تبيّن أن مصدرها فيروس شرير، من نوع (مزفرت)، ومن فصيلة رديئة ورزيلة. وهو، أي كاتب هذه السطور، لا يعرف – كيف ومتى و أين ولماذا ومن – حدث ذلك، بينما كان هو، كالعادة، يواصل حياته اليومية بسلام وهدوء، سائراً في طريقه المعتادة، وفقا للمثل المعروف، “من ظل لظل، ومن حيط لحيط، وإن شاء الله تسلم.”

فهو، حسبما يتذكر، لم يختلط بأحد من خارج دائرته الصغيرة جداً من البشر، الذين تورط في العيش معهم أو العكس. وهو كذلك، حسبما يتذكر، لم يستقل حافلة، أو قطاراً، ولم يدخل سوقاً، أو يجلس في مقهى، أو يذهب لمشاهدة عرض سينمائي أو مسرحي أو مباراة لكرة القدم..الخ. ولم يكن له بتاتاً رفيق سواه. وظل كالعادة، منذ أن يستيقط فجراً إلى يضع رأسه على وسادته في ساعة من ساعات الليل، وهو مستغرق في روتينه الذي ابتدعه لنفسه منذ أن انتحروه، أقصد منذ أن أحالوه على المعاش، وكل ذلك بهدف أن يحافظ على استمرار تواصله مع عالم، يمشي على رأسه، وبغرض ألا يصاب بالجنون، وتلك مفارقة لكنها صحيحة. وتفادياً للشرور قرر، عن سبق اصرار وترصد، أن تكون العلاقة بالعالم، غير مباشرة، أي عبر وسائل الاعلام المتوفرة، ووسائل التواصل الاجتماعي. وحافظ طوال سنوات على روتينه، فأستراح وأراح، وتلك نعمة يحمد الله عليها، ولا يعرفها حقاً إلا من عاشها وتذوق طعمها. لكن، للأسف الشديد، فإن كل الموانع والحواجز التي وضعها عمداً، لم تمنع عنه طعنات الغدر، التي اشتهرت بها الكائنات الفيروسية غير المرئية. ومن ضمنها، فيروس الانفلونزا. والخطأ ليس خطأ الفيروس، بل هو شخصياً من يتحمل الوزر، وعليه دفع الثمن. فهو كان يعرف بالتجربة وبالخبرة أن فصل شتاء آخر قادم في الطريق، وعلى وشك الوصول، وكان أولى به، ويتوجب عليه، بسبب تقدمه في درجات سلالم الزمن، أخذ الحيطة، والتزام الحذر، كما كان يفعل في السنوات القليلة الماضية. ذلك أن فصل الشتاء، على عكس غيره من فصول العام، يختار الفيروسات المهلكة لتكون رسوله في الاعلان عن قرب حضوره. ويبدو أن انشغاله في التواصل، أو في التورط مع العالم من حوله، بالقراءة والمتابعة والكتابة، وشؤونه المعاشية أنساه الأمر. وكان عليه أن يدفع ثمن السهو والنسيان.

وهاهو الآن طريح الفراش، معزولاً عن الدنيا، أكثر من قبل، ولا يجد مفرّاً من النهوض ومحاولة الايفاء بالتزامه بالكتابة والنشر في زاويته الأسبوعية، حتى لا يرتبك الروتين، ويحافظ قطاره على مواصلة رحلته، على خط سيره المعتاد,

الغريب، أنه خلال اليومين السابقين، ومن شدة الحُمّى، صار يتخيل أشياء غريبة، ويتحدث مع نفسه وبصوت مسموع. وفي أوقات أخرى، يدخل في نوبة غريبة ويشتم سلسفيل الفيروسات التي يعرفها، والتي لم يسمع بها. إلا أنّه، بعد أن يفرغ تلك الشحنة الغاضبة، يشعر بشيء من راحة. وهناك فقط، يعود إليه ما أذهبت الحُمّى من رشده، ويعنُّ له تذكر محنة مماثلة أصابت صديقه المتنبي، ويردد معه مستغرباً ومتسائلاً:

أبنتَ الدهر عندي كل بنت فكيف نفذتِ من وسط الزحام؟

شاهد أيضاً

*الصحة المفقودة والحلول التلفيقية*

د.علي المبروك أبوقرين الصحة والعافية والرفاه ليس غياب المرض والعجز والالم فقط ، لهذا تعزيز …