عبدالرزاق الداهش
كل ما كانت تريده إيطاليا هو أن تضع السلطة على يمين عمر المختار،والمال على يساره، مقابل أن يلقي بندقيته في أول مغارة بوادي الكوف.
كانت إيطاليا مستعدة أن تنقب في السماء السابعة، ما لم تجده على الارض الليبية العنيدة برحالها.
كان كثيرون جدا ممن يهمهم أن يعيشوا ولو على حساب الوطن، ولكن عمر المختار كان يهمه فقط أن يعيش الوطن ولو كان ذلك على حسابه.
لم يكن هذا الرجل الاستثنائي يركض لكي يكون حاكما، ولم يختر أن يكون مالكا، وكان أكبر من مرتب تقاعدي مريح من خزينة ايطاليا.
عمر المختار قرر أن لا يكون إلا عمر المختار، وفقط.
لهذا ذهبوا جميعا، واحترقوا جميعا وذابوا جميعا في مستودع الماضي، وظل عمر المختار، وشما على ذاكرة عصية على كل نسيان.
فمن تستدعي ذاكرته اليوم أسم العسكري الإيطالي الذي وضع الحديد في يد عمر المختار؟
من تستدعي ذاكرته ملامح القاضي الذي أصدر حكم الإعدام بشيخ الشهداء.
لقد ماتوا جميعا آلاف الموتات، وسقطوا جميع آلاف السقطات.
وظل عمر المختار حيًا يرزق في قلوب الناس معلما لتربية الوطنية، التي لا يعلمها احدا غيره.
لم يكن يحمل جواز سفر إيطالي، ولا امريكي، فكل قلوب الناس هي جنسيته.
عمر المختار سيظل السفير الدائم لضمير عالمي، ووطن قدم دم اعتماده كحبيب ذات مشنقة.
كانوا يتصورون أنهم يحاكمون عمر المختار، ولا يدرون بأنه هو من كان يحاكمهم.
وكانوا يتخيلون أنهم يشنقونه، ولا يدرون بأنه هو من كان يشنقهم على حبل التاريخ.
رجل أعتز بوطنه كثيرا لدرجة الموت، فأعتز به الوطن كثيرا لدرجة الحياة.
فكم من الاموات أحياء، وكم من الاحياء