منصة الصباح

ظلال

فتحية الجديدي

قد نعود للجلوس في مقعد حمل شيئاً منا يومًا ما، أو نزور شاطئاً كان بصحبتنا على رماله عزيز فقدناه، فتذكرنا به الأمواج، أو ربما نعتلي سفح جبل لمغامرة قص عنها صديق فزرع في النفس فضولًا لاكتشافه مرة أخرى، أو حنين يشدنا لمقهى قديم ارتبطت أغنياته بذائقتنا في مرحلة الشباب – لما لا ؟

العودة لأماكن ارتبطنا بها بأي شكل من الأشكال، ليس خسارة أو ضعفًا أو لممارسة أحزاننا فقط، بل لإعادة تدوير مشاعرنا بانطباعات جديدة تحمل معها نضجًا ومعرفة تسمح لنا باكتشاف ذواتنا مرة أخرى، ونحن في مرحلة قفزت على ذاك الشباب، لا ضير أن نعطيها أيضًا من روحنا ونلتمس معها مواطن أخرى، ولو اختلفت بعض من ملامحها.

وتكون هنا الصور التي نلتقطها هناك هي ظلال وترجمة حقيقية لنا، نعكس من خلالها من نحن وربما نكتفي بالبقاء داخلها، بكل بساطة تعني ما نحن فيه من فرح أسى واحتفاء وخيبة أيضًا.

الصورة ..هي مفردة حقيقية للأحاسيس والمشاعر ، وانعكاس لإيقاعات في التعبير البصري عن ما تلتقطه العدسة التي تحركها مجموعة من الدوافع أساسها علاقة الإنسان بما حوله وعلاقته بالجمال والتكوين والتفاصيل،
الصورة .. فلسفة احترام المكان أيضًا وترك انطباع بصري حول معالم وإطلالات متعددة تطل على عالم آخر ومحاكاة هذه النوافذ وما تحمله من قصص وتاريخ وذاكرة شعبها.

ليس سهلًا أن نجلب معنا صوًرا فوتوغرافية عديدة ونظل نقلبها بين الحين والآخر اعتقادًا منا أننا نشاهدها من باب المتعة فقط، بل استحضار لتاريخ وذكرى تلك الأمكنة التي تعني لنا الكثير عندما زرناها، هي ليست مجرد التقاطات عادية، بل هي استقطاع لجزء مهم من ذاكرتنا ونحن بين أحضان تلك الأماكن باختلافها وتنوعها.. المشاهد ليست وحدها الدالة عنها، بل التصاق عقولنا بها وترجمتنا لها أيضًا، وهذا يساوي ارتباطنا ببعض تفاصيلها.
الصورة .. هي حكاية بحد ذاتها وألوان مأخوذة من دواخلنا وتركيباتنا في ظروف مختلفة وانطباع تجسده ذكرياتنا أحيانًا، وملامسة الجمال بأعيننا أحيانا أخرى.

لانستطيع العيش دون صورة وظل ولا دون قرين ينبهنا بعالمنا الخفي الذي نحن جزء منه، ولا نستطيع أن نخفي صورنا في علب كرتونية لمدة طويلة حتى نظرها بين الحين والآخر، ونقيّم اللحظة والفرق الزمني، ونشتاق لصورة الأب الغائب جسدًا ونطرح فلسفة محكية وكم من قساوة تلقاها من أجلنا حتى كبرنا، وصورة الجدة التي رقدت مؤخرًا مع حكاياتها الممتعة، وصورة شارع فارغ وبقايا جدار كان يومًا متكئاً لي بعد عودتي من المدرسة.

شاهد أيضاً

ثلاثة في أسبوع واحد

أحلام محمد الكميشي   كنت أنوي الكتابة عن مصرفنا المركزي المترنح وحقولنا النفطية المغلقة وسياستنا …