طبيب المستقبل
بقلم: د . المهدي الخماس
منذ افتتاح أول كلية طب في ليبيا في نهاية الستينات ونحن نعتقد أن الطالب المثالي للقبول بكلية الطب هو الطالب الناجح في الشهادة الثانوية بالقسم العلمي والحاصل على درجات عالية. ومنذ ذلك الوقت، التعليم الطبي ومكوناته إستمروا في التطور وتغيرت المناهج وطرق التدريس من محاضرات تقليدية الى مجموعات صغيرة الى موديولز وغيرها. ونحن نصر على نفس الطريقة. استبدلنا سنة إعدادي الطب بسنة تمهيدية وان شاء الله في طريقها الى الزوال. ولازال الإعتقاد بأن الطالب صاحب الدرجات العالية أوصاحب الواسطة هو الطالب الذي يتم إختياره لدخول كلية الطب وهو الطالب المناسب ليكون طبيبا ناجحا في أحد المجالات الطبيه.
ودخل البلد في حروب ودخل العالم في دوامة الكورونا وتطور التعليم عن بعد الى درجات عالية ودخل التعليم الهجين كبديل ولكن ليس في ليبيا. التعليم الهجين يتطلب المحاضر الموجود بالكلية والمحاضر عن بعد. وعليه يحتاج بنية تحتية من كهرباء جيدة ونت سريعة لاتنقطع وتعليم الكتروني للطالب والمدرس سواء. ومعدات من كمبيوتر وبرامج وبيانات وغيرها وتعليم الطالب والأستاذ على استعمالهما. تأخر الطلبة عن تعليمهم ومنهم من أمضى أكثر من عقد من عمره في كلية الطب ولازلنا نصر على التعليم التقليدي.
المعلومات الطبية أصبحت معقدة ودقيقة جدا وأصبح تقديم الخدمة مبني على فريق متكامل ولهذا استمرار الإصرار على حشو الطالب بمواد غير مؤسسة لتعليمه العالي أصبح أمرًا مرهقا. اضطر الطالب أن يلجأ للدروس الخصوصية من أناس حفظوا الكتب وبدون خبرة في تطبيق المعلومات التي يدرسونها. وهكذا اتجه الطب في ليبيا الى العلم النظري. وزاد الطين بلة عدم وجود إدارات متخصصة في التعليم الطبي بوزارة التعليم العالي.
العشر سنوات الأخيرة فرضت واقعا طبيا مختلفا عن السابق. وجود الحروب وانقطاع الدراسة وزيادة معدل الجريمة وانتشار القطاع الطبي الخاص وتفريغ المستشفيات من الخبرات والمعدات وجه بوصلة التعليم الى الخلف. الحرص على الحصول على الماجستير أو الدكتوراة في التخصصات السريرية كذلك أثر سلبا على وجود العناصر المؤهلة لتدريس المواد السريرية. هذه العوامل تفرض علينا الأن أن نطور من أهدافنا لمخرجات التعليم الطبي وألية تحقيق هذه الأهداف.
تفرض علينا أن نضيف قدرا كبيرا من علم النفس والأمراض النفسية وعلاجها الى المناهج. تفرض علينا التركيز على أخلاق المهنة وسلامة المريض والحرفية. تفرض علينا تدريس قوانين المسؤولية الطبية والعلوم الأساسية والتي تدخل في عمق الخلية والجينات. وهذه أشياء تحتاج تعليم عدد كافي من الأساتذة لتدريسها. إذا لم يحترك المجتمع الطبي في ليبيا ومن وراه الدولة فنحن في ورطة وخوفي أن ندخل في حلقة مفرغة وننتج أطباء لايعرفون من الطب إلا إجابة الأسئلة النظرية.
ربما حان الوقت للمجلس الصحي العام أو غيره أن يأخذ بزمام المبادرة. من الممكن الاستفاده من بعض الدول الاخرى في عملية اختيار طلبة الطب بطريقة علمية ومتعددة العوامل وليست مبنية على درجات الثانوية العامة فقط. وربما تطبيق الفكره في أحدى الكليات ودراستها.
على قول صديقي السوري الطبيب الليبي الجيد والمتخرج من كلية طب ليبية محترمة محليا ودوليا والأستاذ المؤهل بالبورد الليبي العالي القيمة راح يجي. اذا ماجاء اليوم راح يجي بكرة أنا راح استناه. وإذا ربي أخذ أمانته راح يستناه الأبناء والأحفاد. ولكم كل التقدير والإحترام.