بقلم / مريم سلامة
فــي ذلــك اليــوم، صبيحــة الأربعــاء، لــم تفتــح شــفاء عينيهــا فيســبح بيتهــا الفســيح فــي الضــوء، وتلامــس ضحكاتهـا سـقوفه، وتعربـد شـقاوتها بيـن أركانـه فقـد حضــر المــوت كعادتــه علــى حيــن غفلــة.فـي ذلـك اليـوم خرجـت شـفاء مـن بيتهـا مضمومـة بيـن ذراعـي أبيهـا ولـم تعـد أبـدا…
ولـم نفعـل شـيئا سـوى أن نبكـي بمـرارة وندعـو الله فــي صمــت أن يتقبلهــا برحمتهــا ويلهــم ذويهــا الصبــر وينتقـم مـن قاتليهـا وينتصـر سـلام وطـن علـى يديهـا…
شـفاء يـا ليبيـا لـن تنسـاك ولـن تنسـيها فقـد سـال دمهــا علــى ســريرها الدافــئ وتغلغــل فــي ترابــك الطاهـر…
وينتظـر يـدا ممـدودة بالحـب تـزرع الخيـر فــي يومــه وتحصــده فــي غــد قريــب.
فـي ليـل ذلـك اليـوم، كمـا هـي أيـام سـابقة، لـم نعـد نسـمع شـدو عصافيـر أو رفيـف حمائـم أو دبيـب خطـى كمــا اعتدنــا أن نســمع عندمــا تســود الســكينة زنقتنــا الضيقـة زنقـة المينـة، فـي حـي بوهريـدة، فقـط صـوت قذائـف مجنونـة.
صلينــا الفجــر، دعونــا الله… حاولنــا أن نخلــد إلــى النــوم ونعــوض مــا فاتنــا مــن نــوم الليــل وذهبــت محاولاتنــا أدراج القذائــف اللعينــة. كان الحــي بأكملــه مســتيقظا ينتظــر قــدره، إلا أطفــال وصبايــا تملكهــم ســلطان النــوم، وشــفاء الحلــوة البريئــة كانــت مــن بينهــم…
ظلـت الأسـئلة وحدهـا تـدور وتـدور وتطـرد محاولات بائسـة للنوم:مــا هــذا الــذي يحــدث؟ ولمــاذا؟ هــل مــن غايــة أو نهايـة لهـذه الحـرب الشرسـة فـي مدينـة يسـكنها نـاس يعبدون إلهــا واحــدا و ينتمــون إلــى أصــل واحــد و يتكلمــون لغــة واحــدة و يأكلــون مــن طبــق ويعيشــون ويموتـون علـى ارض واحـدة لا فـرق بينهـم ولا اختـلاف، فمــن يحاربــون؟ ومــن يقاتلــون؟
ومــن عدوهــم الــذي أعلنـوا عليـه الجهـاد؟ هـل يعـود السـلام إلـى شـوارع تركهــا المــارة لرقعــة المــوت ولعبــة الحــرب .
هــل مــن أجوبــة اليــوم أو غــدا لمــن فاتــه ذلــك اليــوم؟؟؟
جلســت إلــى مكتبــي (فــي المطبــخ) ابحــث عــن الســلوى فــي عمــل أجــده فــي انتظــاري علــى شاشــة حاســوبي فجــأة يــدوي فــي البيــت صــوت زجــاج يتناثــر فــي مــكان مــا كان مــن شــدته منعنــي مــن أن اســمع صــوت القذيفــة وهــي ترتطــم الجــدار العلــوي لبيــت جارتــي المقابــل لبيتــي.
دب الهلــع فــي جســدي وركضـت إلـى بـاب البيـت افتحـه وانظـر إلـى الشـارع. لـم أرى شـيئا فالرمـاد كان سـتارة كثيفـة تتدلـى أمامـي وتحجــب الرؤيــة عنــي.
هــل هــذا مشــهد تلفزيونــي منقــول مــن ســاحة قتــال فــي غــزة أو جنــوب لبنــان أو حتــى كندهــار؟ هـل هـذا شـارعي؟ هـل أنـا فـي وطنـي الحبيـب بيـن أهلـي و شـعبي المسـالم؟
أم أن مـاردا أخذنـي إلـى أتـون معركـة شرسـة فـي احـد بقـاع الأرض؟ علـي تمـام السـاعة الثامنـة إلا ربـع تزيـد أو تنقـص, فـي صبيحـة ذلـك اليـوم لـم تسـتيقظ شـفاء ولـم تسـمع صــوت أمهــا العــذب تلقــي عليهــا تحيــة الصبــاح. لــم تســتيقظ شــفاء وتتنــاول إفطارهــا أو تفتــح حقيبتهــا وتذهــب إلــى مدرســتها مدرســة المنــار الثانويــة للبنات..
فقـد امتـدت إليهـا يـد مدججـة بسـلاح القتـل وأطفـأت النـور فـي عينيهـا وهمـدت روح الصبيـة فـي ربيعهــا الســادس عشــر ..خمــدت أحلامهــا وأمالهــاوضمهــا الوطــن فــي أحشــائه.
أيتهـا اليـد القاتلـة لـن تقـو علـى رمـي شـفاء بـوردة لـو نظـرت فـي عينيهـا يومـا وأدركـت كـم هـي ليبيـة فـي جمالهـا وطيبتهـا وبرأتهـا.
لــن يتســن لــك هــذا فقــد ماتــت شــفاء بســلاحك فدعـي الوطـن يجـد شـفاء لجراحه……ويجمعنـا جميعـا فــي ربوعــه الممتــدة ســاما وبهجــة.