هناك في أعالي مرتفعات أبها البهية.. أقدام الفرسان طحنت شجيرات الأرز اللبنانية.
من بنغازي نور الدين المشاي
منذ اليوم الأول الذي تواجدنا فيه بملعب تدريبات قطاع الناشئين بنادي الأهلي في مدينة بنغازي، لمتابعة تحضيرات منتخبنا الفتي، تأهبا للمشاركة في نهائيات كأس العرب للشباب تحت سن 20 عام، أستشعرنا الجدية والحماس والرغبة لدى الجميع، لاعبون وطاقم فني وإداري، وعزمهم على فعل المستحيل في ظل ظروف صعبة وإمكانيات بسيطة، مقارنة بجل المنتخبات المشاركة في هذا المحفل.
هذا الشعور وهذه الثقة، تجسدا فعليا في موقعة أعالي مرتفعات أبها البهية، وأمام منتخب يستعد لهذه البطولة منذ خمسة أشهر مضت.
حيث لم يسبق للمنتخب اللبناني تحقيق أي فوز خلال مشاركاته السابقة في هذه البطولة.
رابع مواجهاته خسرها في أول جولة لهذه المجموعة، أمام شقيقه الجزائري بهدفين لهدف، قدم خلالها مستوى جيد بفضل، وكان جديرا بالتعادل على أقل تقدير، وبالتالي بات لزاما عليه تحقيق الفوز على منتخبنا لكي يبقي على آماله في التأهل.
تحضيرات الفرسان لهذه البطولة لم تتجاوز الشهر، وبرغم فارق الإمكانيات والتحضيرات المتأخرة، أثبتت الكرة الليبية علو كعبها على نظيرتها الشامية، وألحقت بها خسارتها الخامسة في هذه البطولة بثنائية نظيفة، وجعلتها تودع البطولة من أدوارها الأولى.
صحيفة الصباح أعدت هذه القراءة حول كتيبة شباب فرسان المتوسط وقيادتهم الحكيمة، تناولت من خلالها بنظرة فنية ثاقبة، مستويات اللاعبين في ظهورهم الدولي الأول تحت قيادة الطاقم الفني والإداري، فطالعوها عبر السطور التالية:
“خط دفاع محصن يمنع دخول الأهداف ويصنعها”
دور كبير قام به خط دفاع منتخبنا الشاب، وهو بجانب ذلك يصنع الأهداف أيضا، بدليل أن الهدف الثاني، بدأت حكايته من المناطق الخلفية بتنريرة ماكرة ضربت دفاع الخصم في مقتل، أستقرت تحت عجلات الطائرة النفاثة محمد عادل الذي تسلل خلف الجميع، وروض الكرة وتوغل بها في مناطق الجزاء بمقربة من القائم الأيمن لحارس منتخب لبنان أنطوني ألكسندر، قبل أن يمرر كرة عرضية أسكنها ميسر في الشباك.
محمد عياد “حامي العرين وغصة في حلوق الماجمين” :
ذاد عن شباك الفرسان ببسالة وقتالية قل نظيرها، صد العديد من الكرات الخطيرة، أبرزها في الشوط الأول، عندما تألق ووقف بالمرصاد أمام هجمتين لبنانيتين خطيرتين ،الأولى عبر تسديدة صاروخية من خارج مناطق الجزاء بعد نصف ساعة من البداية، فتعملق وقفز عاليا محاذيا جبال أبها، قبل أن يبعدها لتستقر في زاوية الركنية.
والهجمة الثانية من عرضية لعبت بعد بضع دقائق من تنفيذ الركنية، وبالتحديد عند الدقيقة السابعة والثلاثين، أنبرى لها وهو واقفا راسخة أقدامه على الأرض كالجبال التي تحيط به، وصدها ببراعة بعد أن أغلق الزاوية ما بينه وبين القائم الذي على يساره، فزاد حنق اللبنانيين وأشتد غضبهم، فقرروا معاقبة أبن عائلة الدريبي ولم يفلحوا.
زياد الأزمرلي “أسد فتي يسير على خطى الزمرة”
يذكرنا بيونس الشيباني وخالد العائب والتربي وويشي، دقة في استخلاص الكرات في أخطر مكان بالملعب، هادىء وصانع ألعاب وضابط فصيل الدفاع، يسارع لدعم خط الوسط متى دعت الحاجة، ويتقدم لمناطق الهجوم لمساندة الثالوث أبوجليدة وعادل وأبوشيبة، يطير عاليا كلما حلقت الكرة فوق شجيرات الأرز، تارة لترويضها وإرغامها قصرا لكي تهبط خانعة تحت قدميه، وتارة أخرة يسمح لها بالطيران وفق هواه وأينما شاء، شريطة ألا يستحوذ عليه الأشقاء، ويسعى وراءها ولا يرتاح له بال حتى يعيدها لحماه، أو يبعدها عن مناطق الخطر.
حمزة المقصي “صياد الفرائس فوق مرتفعات أبها”
أسد آخر في مناطق الدفاع، يقف في ظهر أخيه الأزمرلي، ينهش الكرات ويمزقها، الإزمرلي يصطاد الفرائس وهو يستمتع بتقطيعها إربا إربا.
مقصي الشباب يعلن عن نفسه فوق مرتفعات جبال أبها، يصيح بأعلى صوته مخاطبا مقصي الكبار ، “قائلا له: أنا هنا لتكرار قصة سيناريو تاريخ الشان، الذي سطرتموه أنت وبقية الرفاق في بلاد المناضل نيلسون مانديلا”.
حسين بادي “السيل القادم من أعالي الوادي”
تجده في كل مكان، في الدفاع والوسط والهجوم، فهو من قام بفتح طريق برية نحو أراضي لبنان، يدخلها بدون تأشيرة متى أراد، واضعا حاجزا أمنيا يمنع دخول كل من يحمل جنسية أراضي شجيرات الأرز.
بادي السيل القادم من أعالي الوادي، عندما ينطلق يجرف كل شيء، حصى وتراب ووريقات أرز أسقطتها أمطار صيف أبها الحارق، الذي تحول إلى خريف في عيون أهل زحلة وجونيه والبترون وبعلبك.
نجيب بلعيد “الصلب كالحديد ومهرب الذخائر المطاطية”
حاله حال بادي فيما يتعلق بتشديد الإجراءات الأمنية على ذوي الجنسية اللبنانية، وفي المقابل يسافر هو أيضا بدون تأشيرة متوغلا في حقول التفاح المستباحة كرويا، أتعب اللبنانيين بتحركاته فنال ما ناله من عنف وضرب، في سبيل تأمين هذه الطريق البرية الموازية لتلك التي عبدها زميله بادي، لكي يستمر في تهريب الذخائر المطاطية رفقة زميله، نحو جبهة الثلاثي القناص بوجليدة وعادل وأبوشيبة.
“خط وسط منظم وحبال متينة جمعت الأعواد في عقدة واحدة ”
عبدالله الحوتي “رمانة وسط كتيبة الفرسان”
قد لا تلحظه العيون، التي غالبا ما تكون مركزة على ما يفعله الدفاع والهجوم، يقوم بدوره غير مبال، يستخلص الكرات ويضبط إيقاع الوسط بتحركاته، وهو بحق رمانة وسط كتيبة الفرسان.
مروان الحبيشي “المقاتل القريشي الصامد حتى الرمق الأخير”
مثل الفرسان يتبجح فوق صهوة جواده، شاهرا سيفه وممسكا بدرعه، وبالرغم من صعوبة المهمة وعناء التعب وغبار معركة أم المعارك في مناطق الوسط، ظل صامدا حتى الرمق الأخير.
عبدالمالك الأندلسي “سد الحديد العالي”
أرهق دفاعات ووسط منتخب شباب لبنان حتى حدود الدقيقة 78، عندما خرج فاسحا المجال أمام سد حديدي آخر لايقل عنه صلابة وتمنعا، يسمى مروان العمامي، غادر المشهور ببطاطا، وهو الذي لا ينزعج من هذه التسمية، وفور تواريه عن الأنظار، توجه شباب النبطية وطرابلس وصيدا وحبوش لكي يستظلوا ويرتاحوا تحت أشجار التفاح، بعد التعب الشديد الذي ألم بهم.
أسامة بوجليدة “ملك المساحات والبارع في التحركات”
تفسح بحرية مطلقة في حقول أشجار الأرز وشوارع البقاع وبعلبك، ولأنه أعتاد تسلق الجبال الشاهقة، كانت هضبات الأرز اللبنانية بالنسبة له بمثابة فسحة قصيرة لإستعادة النشاط والتقاط الأنفاس.
يجيد التحرك بالكرة وبدونها، وساهم بشكل كبير في الهدفين القاتلين، من خلال تبادله للأدوار هو ومحمد عادل تارة، وعبدالميسر أبو شيبة تارة أخرى.
“قذائف كتيبة الفرسان فوق المرتفعات تثير الفزع في أبها”
محمد عادل”كاتب الرواية والممثل القدير”
سرعة ودهاء وحسن تصرف، ميزات يتمتع بها هذا الفتى، جعلت القاضي يثق فيه ويسلمه شارة القيادة فكان أهلا لها ولم يخيب ظنه.
هو من لعب دور القاتل السفاح، خلال الفيلم القصير لحكاية الهدف الأول، وعاد وكتب أحداث الجزء الأخير من هذا الفيلم الشيق، وكافأ الميسر ورد له الهدية، فقبلها وقبلها وفي شباك لبنان أرسلها، معلنا أنطلاق الأفراح في أبها وبنغازي وسرت وسبها وصرمان، وحتى في طرابلس عاصمة الأحزان.
عبدالميسر أبو شيبة “صاحب الطول الفارع والعقل البارع”
تمزيق شباك الخصوم هوايته المفضلة، كل حراس دوري أواسط الممتاز، وخاصة حماة العرين في نهائيات سداسي التتويج التي عانق أبوشيبة صحبة رفاقه في الاتحاد المصراتي كأسها الغالية، يعرفونه جيدا ويخشونه كما تخشى الطرائد السباع، فهل يعقل بأن يقف أمام أشجار الأرز ولا يقطف من ثمارها؟، وهو الذي قطف من ثمار شباك كل أندية أواسط الممتاز، وتربع على محاصيل ثمارها برصيد 21 هدفا.
هو صاحب هدف الفوز الثاني، وأحد صناع الأول بلعبة ثنائية ولا أروع مع قائد كتيبة الفرسان.