منصة الصباح

 ديوان صالح الشنطة

كتب / سالم العالم

صدر عن سلسلة كتاب المستقل والذي تصدره مجلة المستقل بالقاهرة عام 2015 ديوان شعري للشاعر الليبي صالح الشنطة والذي قام بجمعه وتحقيقه الدكتور : عمر غيث قرميل ، في 138 صفحة من القطع المتوسط .

قدم الدكتور عمر غيث قرميل للديوان بنبذة عن دور الشاعر في الحياة الثقافية في ليبيا في النصف الاول من القرن الماضي طارحا وجهة نظره الخاصة في  شاعريته وانسانيته ومواقفه نقتبس منه هذا المقطع « كان رحمه الله انسانا فاضلا ورجلا وقورا مهيبا واستاذا متمكنا قديرا ورمزا للعفة والطهارة والنقاء ونموذجا للاخلاص والوفاء معلما من المعلمين الذين عرفوا في مطلع القرن العشرين ، اسهم في رفد الادب بالليبي بالكلمة الحية النابضة وبالمعاني الوطنية القومية وجاهد بقلمه المشحون بالعواطف المتأججة ، والزفرات الحارة المتقدة بالحماسة الملتهبة وبالنخوة العربية الاصيلة .» ص8

ثم افرد الكاتب فصلا للحديث عن الشاعر ونسبه وتعليمه وثقافته وحياته العلمية واسرته وصفاته واخلاقه وشاعريته حيث يقول عنه « غلب على شعره التقليد ، إذ كان متأثرا بالشعراء الذين سبقوه ، حيث أصبح يتمثل وهو ينظم قصائده الجياد جزالة البارودي ، وعذوبة شوقي ، وحماسة حافظ ، ووطنية رفيق « ص19 .

وقد قسم الدكتور عمر غيث قرميل ديوان الشاعر صالح الشنطة الي عدة ابواب  حسب اغراض الشعر ورتبها حسب غزارة القصائد في كل صنف من صنوف الشعروقد خص كل باب بتوطئة قصير له وجاءت الابواب كما يلي :

ـ باب الغزل .. وقد مهد له الكاتب كما يلي : « احتل باب الغزل المرتبة الاولى في شعر الشنطة إذ نظم ثماني عشرة قصيدة ومقطوعة غزلية تعرض خلالها للمرأة ووصف محاسنها الجسمانية ، كنعت الخدود ووصفها بالبياض والحمرة . ونعت القد بالامتشاق ، والدقة ، ونعت الشعر باللليل وشدة السواد ، وبثها اشواقه للمحبوب ، ولوعة الفرقة ، والرجاء في اللقاء ، وقلة الصبر على البعاد ، والشنطة في غزله لم يستطيع أن يتخلى عن الاوصاف التقليدية للمحبوب ، فالمحبوب عنده ظبي وغزال « ص23 .

ـ باب الوصف .. وقد جاءت في توطئة هذا الباب « جاء الوصف في المرتبة الثانية في ديوان الشاعر بسبع عشر قصيدة ومقطوعة وصف من خلالها الطبيعة حية وصامتة وصفا حافلا بانواع من الالوان المتباينة والمشاهد المتلاحقة ، ولعل مايميز الوصف عند الشنطة أنه يمنح الطبيعة الصامتة حركة حتى تبدو حية متحركة ، واعتمد في وصفه على إثارة الشعور ، وايقاظ الروح ، والتحليق بها فيما وراء الطبيعة من عوالم الوجود المعنوي ، وهذا الوصف يفوق الوصف الواقعي ويزيد عليه لما فيه من سمو بالخيال وارتفاع بالفكر « ص69 .

ـ باب القوميات والوطنيات .. يقول الدكتور عمر غيث في توطئة هذا الباب : « تأتي القصائد القومية والوطنية في المرتبة الثالثة في الديوان ، إذ يبلغ عدد القصائد التي تحمل مضمونا سياسيا وقوميا ووطنيا حوالي اربع عشر قصيدة يغلب عليها الطابع الوطني ، عبر فيها الشاعر عن حسه الوطني ، ومدى ارتباطه بأحداث وطنه ، وما يعانيه من ضيم الاستعمار ، وجسد موقفه اتجاه همومه ، ودعوته الى الثورة على المستعمر المعتدي ، والاخذ باسباب الرقي والتقدم والاهتمام بالشباب ، وثلاث قصائد يغلب عليها الطابع القومي ، إن القضايا الوطنية ـ على المستوى المحلى ـ لم تشغل الشنطة عن التفاعل والتجاوب مع القضايا العربية والقومية ، فتراه يناصر نظال الجزائري من أجل أستقلاله وحريته ، ويدعو العرب الى اليقظة والوحدة والتكاثف ضد الاستعمار « ص115 .

ـ باب الرثاء .. ومهد له الكاتب « جاء الرثاء في المرتبة الرابعة في الديوان إذ بلغ عدد قصائد الرثاء ثلاث قصائد فقط ، وقد كان الرثاء عند الشنطة متصلا بالوطنية ، جاريا في فلكها ، فموت عالم عنده مصاب كبير تصاب به البلاد ، وخسارة فادحة لا تستطيع لها تعويضا . ومن خلال استعراض هذه القصائد يبدر أن الشنطة لم يكن مطموعا على الحزن ، حيث صدر رثاؤه عن عقل واعي ، ولم يصدر عن نفس حزينة ملتاعة ، فعو يقدر للمرثي مكانته ، ويععد صفاته ومآثره « ص151.

ـ باب الإخوانيات والمناسبات .. وقدم له الكاتب قائلا « جاءت قصائد الاخوانيات والمناسبات والموشحات في المرتبة الخامسة في الديوان حيث بلغت قصائد الاخوانيات قصيدتين ، والمناسبات قصيدتين كذلك ، وقصيدة في الزهد وموشح واحد ، ومن خلال هذه القصائد رسم الشاعر صورا مختلفة تعبر عن صدق تجربته في رسم الموقف الذي قال من اجله القصيدة ، اي جاءت القصيدة الاولى في مخاطبة اطلال الديار ، اما الثانية فقد حاور الشاعر فيها نفسه ، اما قصائد المناسبات : فقد كانت الاولى بمناسبة شهر رمضان ، اما الثانية فكانت بمناسبة سفر صديقه المختار العيساوي الى تونس ، وجاءت قصيدة الزهد لتبين موقف الشاعر من الحياة وزهده فيها ، واما الموشح فقد اراد الشاعر من خلاله أن يثبت مقدرته على النظم في مختلف الفنون الشعرية ، وخاصة أن الموشح يمثل نضوجا في طور الشعر الاندلسي « ص163.

ملاحظات عامة ووجهة نظر خاصة :

ـ من الواضح ان الكاتب بذل جهدا جبارا في تجميع قصائد الشنطة والتي نشر بعضها في بعض الصحف الليبية او قراءها في الاذاعة المسموعة وان كان اغلبها مدون في بعض الكتب الخاصة بالشاعر او في بعض السجلات والاوراق التي كان يستخدمها للتدريس وربما تلف او ضاع منها البعض ايضا ،، وهو جهد يشكر عليه من أجل إطلاعنا على نصوص وقصائد حضرت لفترة ما في المشهد الشعري الليبي واختفت بعد ذلك لتظهر بعد خمسون عاما للمشهد من جديد ،، وشخصيا كانت هذه المرة الاولى الذي اسمع بها بصالح الشنطة واقرأ قصائده .. هذا الجهد من التجميع والتحقيق الذي قام به الكاتب يكتسب اهمية مضاعفة كون الشاعر وحسب مافهمت من الكتاب لم يكن مهتما بتجميع او تدوين قصائده ولم يمنحها الاهتمام المطلوب لا هو ولا ابناءه والذين وصلوا مراتب عالية من العلم والمعرفة .

ـ اهتم الدكتور عمر غيث قرميل باستقاء المراجع والمصادر المختلفة والتي تحدتث عن عائلة الشنطة ،، كما قدم لكل قصيدة من قصائد الديوان بشرح بسيط ولم يغفل الهوامش اللغوية التي تشرح بعض المفردات الواردة في قصائد الشاعر ، او البحور الشعرية التي عمل عليها الشنطة .

ـ يغلب على قصائد صالح الشنطة الاشكال والاغراض الكلاسيكية القديمة للشعر كون اغلب القصائد هي قصائد عمودية متمسكة ببحور الشعر الفراهيدية وباغراض الشعر التقليدية كالرثاء والغزل والوصف وغيرها ..

ـ من المفارقات اللطيفة ان اكثر القصائد غزلية بينما الشاعر وكما يقول الكاتب لم يمر بأي تجربة حب حقيقية ..وكذلك ان الخمر يرد في قصائد الشاعر بكثرة لدرجة انه قد لا تخلو قصيدة من ذكر الخمر والكؤوس ونشوة الخمر في حين ان الشنطة وكما يقول عن نفسه في احد قصائده ان لم يذق الخمر يوما ولم يعرف نشوتها ..

ـ تظهر القصائد في الديوان ان الشنطة كان ضليعا في اللغة العربية مع ضعف في موهبته الشعرية لذلك غلب على قصائده النظم والصناعة وغابت الومضات الشعرية المبهرة .. وان كانت القصائد لا تخلو من طلاوة وتعفف وبساطة محببة ومباشرة في الطرح للوصول سريعا الى المغزى الذي يريده الشاعر .

ـ اشار الكاتب الى ان الشنطة يجيد الزجل الشعبي وقد أثرى الاذاعة بالكثير من الاغاني والاهازيج الشعبية منها على سبيل المثال الاغنية الشهيرة التي تغنى بها الفنان سلام قدري .. ومن الحان الموسيقار الكبير كاظم نديم ..

خطم حفني شيع عيونه فيا

سلمت مارد السلام عليا

وهنا اجد ان من الواجب علينا عامة وربما على الدكتور عمر غيث قرميل خاصة ضرورة تجميع هذه الاغاني واصدارها في كتاب لنحفظ لهذا الشاعر حقه ونمنح فرصة للاجيال القادمة لمعرفة انجازاته الشعرية .. لكون الاغاني اكثر التصاقا باذهان الناس وخير مثال اغنية خطم حفني والتي رغم مرور اكثر من ستون عاما على غنائها لا زالت تشكل وجدان الليبيين .

يبقى في الختام ان نشكر الدكتور عمر غيث على جهده واهتمامه بابراز صوت ادبي من ليبيا لم ينال حظه من الاهتمام والبحث ..

شاهد أيضاً

ميكروفون كاتم صوت تحصد جائزة نجيب محفوظ للآداب 2024م

فازت رواية “ميكروفون كاتم صوت” للكاتب اللبناني محمد طرزي بجائزة نجيب محفوظ للأدب 2024 من …