منصة الصباح

درنة، ليتني لم أذهب

درنة، ليتني لم أذهب

بالحبر السري

بقلم: علي الدلالي

تعجز كل القواميس عربية كانت أم أجنبية أن تعبر عن هول الكارثة التي حلت بدرنة الأزهار، وتخفق عدسات المصورين المحترفين، حتى أولئك الذين يستخدمون “الدرون” في رسم الصورة الحقيقية للفاجعة التي ضربت منطقة الجبل الأخضر فجر يوم 11 سبتمبر، وخاصة مدينة درنة.
نامت درنة ليلة الفاجعة كعادتها منذ ما قبل الأزل مسندة رأسها وظهرها إلى الجبل ولسان حالها يقول “يا جبل ما يهزك ريح”، وأقدامها راسختان في المتوسط، تحضن أهلها في أهداب جفونها، تغمرها الطمأنينة والثقة في السدين اللذين كانا منذ عقود صامدين في وجه الماء ويمنعان عنها الفيضان.
جاءت العاصفة المتوسطية (دانيال) في جوف الليل وأهل درنة نيام لتضرب قمة الجبل وتعوي رياحها الهوجاء في سفوحه محملة بجبال من السحب الركام ففُتحت أبواب السماء بماء منهمر، صمد الجبل لكن السدين خذلا درنة وأهلها واستسلما فالتقى الماء على أمر قد قدر.
سأل صديقي الشاعر د.عاشور الطويبي في تدوينة له على (فيسبوك) عن حارس المدينة قائلا:
يا حارس المدينة
لا توقظ الموتى
ارفع قنديلك إلى أعلى قليلا
أو
امض إلى سريرك تحت شجرة التين
يا حارس المدينة
إن ضاعت أحلام المدينة
مَن يأتينا بمدينة جديدة؟!
أجبت صاحبي وأنا في درنة، يا ليتني لم أذهب فقلت:
يا صاحبي
أخبرني جبل المدينة
أن حارس المدينة هرم
وسرق الأوغاد دواء قلبه …
قاوم سنينا وزاد سنينا
لكن (دانيال) غدر بعد أن اشترى
ذمم السارقين
ومات في درنة
الزهر والياسمين.
التهمت السيول أحياء كاملة من المدينة وألقت بسكانها وممتلكاتهم في البحر في لحظات من هذه الكارثة الأكثر فتكا، التي تضرب مدينة درنة تحديدا.
يقول رئيس فريق الحماية المدنية الجزائري العقيد فاروق عاشور الذي التقيته في درنة وأنا هائم بين الركام لتغطية أخبار هذه النازلة التي حلت بأهلنا، إنه شارك في عدد كبير من عمليات البحث والإنقاذ في كوارث طبيعية عدة في الجزائر وفي دول أخرى، آخرها الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا، لكنه لم ير مثل هذه الكارثة التي أتت على ثلث المدينة وحولته إلى ركام وألقت بنصفه في البحر.
ويشبه الخبير الجزائري ما حدث في درنة بـ “تسونامي” مؤكدا أنه لو لم يكن يعلم أن المدينة تعرضت لسيول وفيضانات لقال إنها تعرضت لغارات بالطيران الحربي.
لا أملك ما أزيده عن وصف الخبير الجزائري الذي سارعت بلاده وبلدان شقيقة وصديقة أخرى لمساعدة الفرق المحلية الليبية العاملة على الأرض سوى هذه الكلمات:
درنة، في خريف الفيضان
الطير لا يصدح
انكسرت شرفات الورد والريحان

☆☆☆☆☆
درنة، من الأصحاب
تنتفض الفيانق من الرماد
ويزهر الفل والياسمين من تحت الركام

شاهد أيضاً

فرسانُ الاعتمادات

عبدالرزاق الداهش عندما ترمي نحو نصف مليون دينار في حفل زفاف، وعلى قول أخوتنا المصريين …