منصة الصباح

زايد..ناقص حارةٌ أم زقاقُ؟

 

جمعة بوكليب

خبراءُ تنظيم حركة المرور في بلداننا العربية، على ألأقل في ليبيا وما جاورها، حرصوا في تخطيطاتهم وتصميماتهم للحركة المرورية على الطرقات العامة على تقسيم الطريق إلى فواصل، بدهان فسفوري أبيض اللون. كما هو الحال في بقية دول العالم الأخرى. وأطلقوا على كل منها اسم حارة. بعض الطرق تتكون من حارتين، وبعضها من ثلاث، وبعضها يصل إلى خمس. الأمر يتوقف على عرض واتساع الطريق. في حين أن نظراءهم في بريطانيا مثلاً حرصوا على اطلاق تسمية أزقة(Lanes) على تلك الفواصل. الفرق بين الحارة والزقاق واضح في قاموسنا العربي المستخدم في الحياة اليومية. والحارة غير الزقاق. والمرء منّا حين يقود سيارته في طريق عام متكوناً من فواصل، عليه الالتزام بقيادة مركبته داخل حارة- زقاق، حسب الحدود الموضحة باللون الأبيض، وليس بالسير فوق الفواصل، متيحاً لغيره من السائقين قيادة مركباتهم في الفواصل المجاورة من دون اعتداء على حقوقهم في الطريق العام، وتسهيل حركة السير من دون عوائق. لماذا أطلق الخبراء العرب اسم حارة على تلك الفواصل وليس زقاقاً، كما فعل غيرهم؟ فواصل حركة السير المرورية على الطرق العامة، كما نعرفها، طويلة وضيقة، ومتجاورة بتواز. وهي لذلك أشبه بأزقة ضيقة متوازية ومتجاورة، ولا تقترب من وصف حارة. الحارة عادة تتكون من ساحة صغيرة تتفرع منها عدة أزقة. هذا أولاً. أما ثانياً، فأنا لا أعرف حتى الآن السبب وراء حرص الجهات المرورية ممثلة في وزارات المواصلات وأجهزة شرطة المرور، في بلداننا العربية على تخصيص ميزانيات، وأنفاق أموال لانشاء أجهزة خاصة تتبع وزارات المواصلات وادارات شرطة المرور، بغرض تخطيط الطرق، ووضع فواصل( حارات – أزقة) بهدف تنظيم حركة السير على الطرقات العامة. ذلك أن الهدف المقصود منها غير متحقق. في الطرق المقسمة إلى حارتين – زقاقين، يجد المرء ثلاث مركبات تتزاحم. وفي تلك المقسمة إلى ثلاث يجد أربعاً منها. وحتى إذا كانت الطريق غير مزدحمة بالمركبات، يحرص سائقو المركبات على عدم قيادة مركباتهم داخل تلك الفواصل المخصصة، والجهات المسؤولة في وزارات المواصلات وفي ادارات شرطة المرور يعلمون ذلك. السؤال لماذا إذاً يتجشمون عناء انفاق أموال على أشياء لن تستخدم؟ اليس من الأجدى استخدام تلك الأموال فيما يعود بالنفع، مثل ترقيع وردم الحفر؟ ثالثاً، هذا التجاهل، أو اللامبالاة بالاشارات المرورية المرسومةعلى الطرق من قبل سائقي المركبات في بلداننا يحدث مع سبق الاصرار والترصد، ويشكل اعتداء على حقوق الآخرين في الطريق. ويعد، في رأيي، أحد أهم الاسباب وراء ارتباك الحركة المرورية على الطرقات العامة داخل المدن وخارجها، مما يؤدي إلى التزاحم، وبالتالي احتمال وقوع حوادث. ربما يرى البعض منا أن سببه قد يعود إلى تزايد كثرة عدد المركبات المستوردة سنوياً، بأعداد لا تستوعبها الطرق العامة في كثير من مدننا. وهو قول، في رأيي، لا يخلو من صواب، إلا أن صوابه لا يمنح أصحابه الحق في تجاهل قوانين حركة المرور. رابعاً، وهذا يفضي بنا إلى العودة إلى مربع قديم/حديث، يتعلق بالعلاقة بين المواطن العربي والقانون. فهو، أي المواطن، تعلم الخوف من القانون وليس احترام القانون. لأنه يخاف من الحكومة التي تصنع تلك القوانين ولا يحترمها. كونها فرضت عليه ولم يخترها برضاه، كما في العالم الغربي. وهذا لا يعني أن علاقة المواطن الغربي بمراعاة السير بمركباته في الأزقة المخصصة على الطرقات العامة تعني أن علاقته بالقوانين عموماً، وبقوانين حركة المرور خصوصاً لا تشوبها شوائب.

 

 

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …