“تي تي “
___
فتحية الجديدي
قصة طويلة ومحزنة تبدأ عندما يريد المواطن أن يحصل على تشخيص وعلاج جيد، فهو يظن «وذلك حقه» أن طبيباً مختصاً سيستقبله وممرضة ستشرع أمامه باب الأمل وتقدم له المساعدة ، ناهيك عن ضرورة حصوله على دواء آسٍ لمشكلته الصحية، خارج دكاكين الأدوية المستغلة، لكنه بكل أسف يعود خائبًا يردد المقولة الشعبية « تي تي زي ما مشيتي زي ما جيتي «، وتظل مشكلته قائمة، بل ويزيد الطين بلة أن المسافات التي يمشيها أطول من رحلة العلاج والضغط الذي يتعرض له يساهم في اضطراب مؤشراته الفسيولوجية أكثر وأكثر. هذا ما حدث معي عندما استيقظت باكرًا وقصدت قسم الطوارئ بمستشفى طرابلس المركزي، أبحث عن طبيب بدفع من آلامٍ أعانيها في الرقبة، قمت بتسجيل اسمي وكامل بياناتي، ليتم توجيهي إلى غرفة الملاحظة، فأجدها فارغة، بدون من يستقبلني، اللهم إلا ممن أشار علي إشارة بيده بأن أظل جانباً، إلى حين مقدم طبيبة الأعصاب الجالسة بالمقربة مني ، لكنني سئمت الانتظار وتقدمت نحوها لعدم وجود أي حالة لديها. سألتني «من شنو تشكي «، فأجبت «عندي وجيعة في رقبتي ولما أنحني يصيبني دوار». نظرت إلي بهدوء وقالت «ما عندنا شيء راجعي العيادة الخارجية غدوة وحتى التصوير ما فيش !» ذهبت لمجمع الدهماني الطبي بعد أن نصحني أحد الشباب بالمستشفى بأن هناك قسماً للأشعة ، وفعلاً كان الاستقبال جيدًا لكنهم قالوا لي «أفلام ما فيش « – المكان ليس سينما على فكرة – لكنني فهمت بأنهم يستطيعون تصوير رقبتي ونقل الصورة إلى هاتفي الخلوي ، فرحت بذلك وعدت بعد الحصول عليها ، وفي اليوم الثاني راجعت العيادة الخارجية كما قيل لي ، والطامة كانت هناك ، لم أجد طبيباً واعتذروا عن قبولي لأن العدد تجاوز المسموح به !، فالطبيب يأخذ في خمس عشرة حالة فقط ! وتفاجأت بعدم وجود تنظيم ولا أسلوب جيد من الممرضات، ومنهن واحدة أقفلت الباب في وجهي وقالت بالحرف الواحد « من اللي حولك ولي من جيتي»، ولم تفد محاولات موظف الاستعلامات الطيب الذي أراد مساعدتي، لكنه منع من ذلك، فخرجت من المكان بكل مرارة أتحسر على حال المواطن الغلبان الذي عشت يوماً من أيامه قبل أن أكون صحفية. والسؤال المطروح، وسط موجة إهمال وتسيّب وحالة متفشية من النهب وعدم وجود ما يقدم للمواطن، وإمكانية تفاقم وضعه الصحي نتيجة الإجهاد والانتظار الطويل على أبواب المستشفيات وانعدام التطبيب : هل المستشفيات الحكومية تساوي خدمات سيئة ؟ وسؤال آخر عن أعداد الأطباء المتخرجين سنة 2023 والأطقم التمريضية كذلك، وما مدى تأثيرهم الإيجابي على الخدمات الصحية ؟ ونحن ما زلنا نراوح مكاننا! وهل المستشفيات تثقل كاهل الدولة ؟ ويبقى السؤال الأهم : أين مكمن الخلل ؟