من مقال للكاتبة: غادة السمان
هل بينكم من سمع باسم الشاب الإسباني الذي مات مقتولاً بطعنة قرن ثور في حلبة مصارعة الثيران؟ تعاطفت مع أمه وحبيبته بعد سماعي بالنبأ من قناة تلفزيونية فرنسية وأسفت لبراءته، ولحماقة نظرة التقدير في مجتمعه إلى رياضة مصارعة الثيران التي دفعت به إلى تلك المغامرة (الثيرانية).
في زياراتي كلها إلى اسبانيا رفضت الذهاب إلى حلبة مصارعة الثيران، ليس إشفاقاً على الثور المسكين الذي يقومون باثخانه بالجراح ويغرسون فيه سكاكينهم الرماح المتوجة بالأعلام بقدر شفقتي على الحماقة البشرية التي تعتبر طقوس قتله رياضة، ومن يقوم بالإجهاز عليه بطلاً.
ولكن الثور الذي قَتَل فيكتور باربو لم ينخدع بالراية الحمراء المهتزة أمامه وطعن (عدوه) على نحو مباشر في رئته وقتله. والبادئ أظلم!
هل في كلامي انحياز للثور ضد الإنسان المصارع له؟ لا. كلامي ببساطة ضد الحماقة البشرية والنوازع البدائية التي ما زالت تتلذذ بالقتل المجاني في حلبة بكثير من السلوك الدموي.
والنتيجة محسومة سلفاً والناس تصفق وتبتهج بسلوك همجي بدائي ما زال متوارثاً للاسف، ونجده حتى في الحقل العربي السياسي المعاصر، ولكن الثـــيران تعرف أحياناً عدوها الحقيقي فيما يبدو أكثر من بعض البشر وتعرف ان مئات الجماهير المشجعة للمصارعة هي المحرض على قتلها ولذا شاهدت في برنامج تلفزيوني فرنسي اسمه «ثلاثون قصة»، يقدمه باسكال باتاي وكارين فيري، على قناة TNT11- شاهدت ثوراً يهمل مصارعه ويقفز فوق الحواجز مهاجماً الجمهور المذعور الهارب!
وأيضاً قبل أسابيع قُتل اسباني آخر حين تعرض ثوران من جنس البشر للنطح في إطار تقليد الركض أمام الثيران في مهرجان سان فيرمين. والقتيل عمره 28 سنة وتعاطفت من جديد مع أمه وحبيبته. ولكن حتى المرأة لم تنج من (غواية بطولة) مصارعة الثيران.
قبل أعوام نزلت امرأة إلى حلبة مصارعة الثيران في اسبانيا وحظيت بالأضواء الإعلامية العالمية على (شجاعتها) ومن طرفي وجدت ما فعلته تلك المرأة، هو العادي والمألوف، فالمرأة لم تفعل شيئاً على طول تاريخها غير مصارعة الثيران!… ثيران النظرة القاصرة عن مساواتها بالرجل إنسانياً. ثيران سوء المعاملة والتعنيف والضرب والنظرة الدونية لها المتجسدة في مئات الأقوال (المأثورة) المهينة الجارحة التي ما نزال نتنأقلها. ثيران القوانين المنحازة للذكر (فهو الذي يضعها) وإذا تم إغتصاب امرأة فهي المسؤولة طبعاً لأنها لم ترتد ثياباً محتشمة ولكن أحداً لم يقل كلمة عن ضرورة كبح الذكور لشهواتهم واستعمال الارادة. والرجل العربي ايضاً يصارع ثيران العدوان على وطنه وأرضه وحريته ولكنه ينسى احياناً مصارعة ثيران الشهوات الجسدية العدوانية نحو رفيقته في النضال ضد ثيران العدو: المرأة!