منصة الصباح

العالمُ مؤامرة!!

زايد..ناقص

جمعة بوكليب

من منّا ينسى يوم 6 يناير 2021 في واشنطن، وجموعُ أنصار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تقتحم مبنى الكابيتول، وتهدد بقتل أعضاء الكونجرس والديمقراطية، بهدف ابقاء ترامب في السلطة باستخدام القوة، بعد خسارته الانتخابات الرئاسية. كان يوما مشهوداً، تابعه العالمُ عبر شاشات القنوات التلفزية، غير مصدق حدوث ذلك في أمريكا زعيمة العالم الحر. بعد انجلاء الغمامة، تبيّنَ أن أغلبية المهاجمين كانوا من أنصار نظريات المؤامرة.

وفي بريطانيا، وبعد سنوات طويلة، مازال أنصارُ نظريات المؤامرة يُكذّبون الرواية الرسمية وراء مقتل الأميرة ديانا. ومؤخراً، صدر تقرير عن لجنة تحقيق مستقلة، عهد إليها مهام التحقيق في تلك المزاعم، وأكدت عدم صحة كل النظريات التي ظهرت. التحقيق استمر لمدة ثلاث سنوات.

أعدادُ أنصار نظريات المؤامرة في تزايد. ما أن تظهر علينا وسائل الاعلام بحدث ما، في بقعة ما من أرض الله الواسعة، حتى يظهرون فجأة، وكأنهم هبطوا من السماء. وسرعان ما ينهمكون في نسج تحليلاتهم، وتفسيراتهم لذلك الحدث، ونشرها عبر مختلف وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. وهم ينتشرون في جميع بلدان العالم. وازداد نشاطُهم في العقود الأخيرة، حتى أنهم لم يعودوا كالسابق ينتظرون ما تحمل لهم وسائل الاعلام من أخبار، بل انشغلوا بوضع سيناريوهات لاحداثٍ لم تحدث بعد، يقولون إنّها ستقع مستقبلاً، وفقا لما توفر لديهم من فرضيات ومعطيات وأحداث. وهم مهما اختلفوا، لايقبلون راياً معارضاً لهم. وما يُقدمُ لهم في النقاشات من أدلة يستوعبونه، ويجدون له مكاناً في نظرياتهم، ويصبح جزءاً منها.

تحليلاتهم، بعضُها يحرص على الاتشاح بالمنطق. لكنّها مثل حبّات بصل بلا نواة، بل قشور. قشرة تعلو أخرى. وبعضها الآخر يتميز بشطحات خيالية، حتى  يحسُّ السامعُ أو القاريء، من شدّة غرابتها، أنّه في حاجة إلى شيء من راحة، كي يتمكن من مواصلة الاستماع أو القراءة.   لكن هناك عديداً من المواقف والحالات والأحداث جاءت لتؤكد صحة تفكيرهم، وتحليلاتهم، بل وحتى بعض من تنبؤاتهم.

المختصّون في علم السياسة يرون أن نظريات المؤامرة على اختلافها  تلتقي حول مبدأ يؤكد على أن الكونَ محكومٌ بتصميم ما.  وتعتمدُ على ثلاثة مبادئ. أولاً لا شيء يحدث بالصدفة، أو يُترك للصدفة. وثانياً لا شيءَ يبدو على ما هو عليه. وثالثاً كل ما يحدث من أحداث مرتبط بما حدث في الماضي وما يحدث في المستقبل. أي أن الأحداث ترتبط ببعضها.

في السنوات الأخيرة، نشطَ أنصارُ نظريات المؤامرة بشكل واضح، خاصة في تفسيراتهم لما حدث من كوارث وأحداث. ولعل كثيرين منا فوجئوا بالكمّ الهائل من التفسيرات التي قدّمها أنصار نظريات المؤامرة في تفسير الحادثة الإرهابية يوم 11 سبتمبر 2001، كقولهم إن وقود الطائرات لا يمكن أن يؤدي إلى تذويب حديد الأساسات في البنائين الضخمين، وبالتالي، فإن قنابل وضعت هناك، وفُجّرت من بعيد، أدت إلى انهيارهما . وكذلك تفسيراتهم وراء حدوث ثورات الربيع العربي. ولعلنا ما زلنا نذكر ما ابتدعوه من نظريات في تفسير انتشار الفيروس الوبائي كورونا. التحليلاتُ والتفسيراتُ أكثر مما يتصور المرءُ. وبلغتْ درجةً من التهويل والتخويف حتى أن   كثيرين من الناس صدّقوها،  وأمتنعوا عن التطعيم ضد الوباء، مما أدّى إلى وفاة عدد منهم، نتيجة الإصابة بالفيروس. وأنصارُ نظريات المؤامرة  منهمكون حالياً بنشاط وحيوية في تقديم تفسيرات للحرب الدائرة في أوكرانيا. وتحليلاتهم، التي صدف وأن اطلعت على بعض منها، ليست بعيدةً عن المنطق، لكنّها تبتعد كثيراً جداً عن الحقيقة، ولا تستقيم مع وقائع التاريخ المعروفة والموثّقة.

شاهد أيضاً

ثلاثة في أسبوع واحد

أحلام محمد الكميشي   كنت أنوي الكتابة عن مصرفنا المركزي المترنح وحقولنا النفطية المغلقة وسياستنا …