بعد كورونا العالم يواجه الرعب النووي
بالحبر السري
بقلم: علي الدلالي
لم يمض وقت طويل على إطلاق سكان العالم (أف) عميقة وغير مسبوقة بعد تخفيف القيود التي فُرضت بحكم القوة والرعب على الكرة الأرضية بسبب جائحة فيروس كورونا (كوفيد – 19) وتقاذُف الإتهامات بين القوى العظمى وبخاصة الولايات المتحدة والصين عن تصنيع وانفلات هذا الفيروس القاتل الذي حصد أرواح 20 مليون شخص عبر العالم وتسبب في أزمات اقتصادية خانقة لا تزال آثارها تعصف بالعديد من الدول حتى اليوم، ليجدوا أنفسهم وسط دوامة الإرهاب النووي والتلويح بتدمير الحياة على الكوكب الأزرق بعد تفجير الحرب الروسية الأوكرانية.
لا يعتقد الكثير من الخبراء والمحللين العسكريين في جدية التلويح باستخدام السلاح النووي خاصة من قبل روسيا لأن ذلك يعني ببساطة التدمير المتبادل للجميع إلا أن “المتشائمين جدا” لا يستبعدون هذا الخطر الكارثي على البشرية ومستقبلها إذا حُشرت روسيا في دائرة الخطر، ويعتقد بعظهم أن مجرد التلويح بالنووي كفيل ببث الرعب فوق الكرة الأرضية خاصة إذا علمنا أن الدول النووية تمتلك مخزونا يكفي لتدمير كوكبنا أكثر من مرة، بحسب تقارير علمية مؤكدة.
غير أن واقع الحال يكشف أن الدول التي تُسمى بـ “العظمى” وعظمتها في الخير تعادل عظمتها في الشر، ومنها الولايات المتحدة التي لم تتردد في استخدام السلاح النووي في ناجازاكي وهيروشيما، تشكل الخطر الأكبر على الحياة البشرية من خلال التسلح النووي والعبث بالهندسة الوراثية، والتفيكر في استعادة عالم الديناصورات والكائنات القاتلة، والسعي إلى التمدد في غزو الفضاء، وتوطين حرب النجوم، وتطوير الأبحاث على الفيروسات المصنعة الفتاكة، وتوسيع دائرة المختبرات السرية لصناعة الموت، واستغلال ثورة المعلومات والإتصالات والذكاء الاصطناعي في عالم الشر، ومع أنها لم تستخدم حتى الآن هذه القوة المرعبة والفتاكة في حروبها المعلنة والسرية كونها لم تُحشر في زاوية “احتمالات التفكك والهزيمة” مثلما يحدث الآن مع روسيا ولو على نطاق يظل محدودا نسبيا، لنحكم بالقطع هل ستلجأ لأسلحة الفناء أم لا.
لا شك أن العالم يتجه اليوم إلى إنهاء هيمنة القطب الواحد متمثلا في الولايات المتحدة الأمريكية، مع بروز العملاق الصيني وانتشاره خارج حدود سور الصين العظيم، وعودة الدب الروسي بعد كسر الجليد لتقاسم الهيمنة على العالم، وتنامي الشعور في الإمبراطورية العجوز للخروج من دائرة الهيمنة الأمريكية، وهو في اعتقادنا السبب الرئيسي وراء تفجير الولايات المتحدة للحرب الروسية الأوكرانية، وتنامي تكتل بريكس (BRICS)، وهي الأحرف الأولى لأسماء الدول ذات الاقتصاديات الأسرع نموا في العالم، البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا، التي أعلنت في أول قمة لها عام 2009 عن تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية، وهو التكتل الذي يعمل اليوم على التوسع إلى دول أخرى.
إن تفكيك هيمنة القطب الواحد رغم أنه أمر قادم لكنه لن يكون في المنظور القريب بحسب المعطيات السياسية والإقتصادية والجيوسياسية الراهنة إلا من خلال الحرب ومن هنا يبرز خطر الحرب العالمية الثالثة.
في قراءة لخريطة العالم اليوم يُمكن أن نرصد خمس بؤر قد تنطلق منها شرارة الحرب العالمية الثالثة وهي، الحرب الروسية الأوكرانية في قلب أوروبا (مواجهة مفتوحة على كل الإحتمالات بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة وحلف الناتو، من جهة أخرى)، التحركات العسكرية في مضيق تايوان، (مواجهة مباشرة بين الصين والولايات المتحدة)، الحرب المؤجلة بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية واليابان (مواجهة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية)، الهند والصين وتركيا واليونان (وهما بلدان عضوان في حلف الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة).
تكاد الولايات المتحدة، وفق هذه الخريطة، تتواجد بكل ثقلها في كافة بؤر التوتر التي قد تهدد فناء الكرة الأرضية ولكن لماذا، والجواب ببساطة، لأن الولايات المتحدة إذا دُفعت للتقهقر وراء الضفة البعيدة من المحيط الأطلسي ستنتهي وتتلاشى. فهي دولة تشكلت من كافة ثقافات ومكونات العالم ويعتقد قادتها على مختلف مشاربهم أن استمرارها كقوة مهيمنة مرهون بتواجدها عسكريا وسياسيا واقتصاديا في كافة ربوع العالم.
رحل خطر (كوفيد – 19) وفق ما أعلنته منظمة الصحة العالمية مطلع هذا الأسبوع، ونتمنى أن يكون إلى غير رجعة رغم أن متحوراته لا تزال تشكل تهديدا معلقا، ولكن خطر الرعب النووي سيكون قائما والعزاء الوحيد للبشرية في تجنب هذا الخطر المرعب هو إدراك “قوى الخير والشر” أن الدمار متبادل وشامل ناهيك عن أن الصين لن تسمح بهزيمة روسيا في هذه الحرب لأن ذلك يعني هزيمتها في بحر الصين الجنوبي، وستقبل الولايات المتحدة بالحل الوسط على حساب دماء الأوكرانيين والروس وجيوب دافعي الضرائب … فأفغانستان ليست ببعيدة إذا كان هناك من نسي فيتنام، وسترضى بعودة القارة العجوز إلى بيت الطاعة.