منصة الصباح

الثمرة المحرمة 

عمق

بقلم /علي المقرحي
 

فاجأني « ولا أعتقد الامر قد اقتصر علَيَّ « والا لما استحق اهتماماً ، بل جاوزتني الفجاءة إلى آخرين.
أقول فاجأني مقال بعنوان ( إلى متى نستمر في الكذب ؟ ) كتبه السيد « مسعود اجبيرة « ونُشِرٓ في العدد 1069 من صحيفة فبراير / الأحد 26 يناير 2020 م ، وأعيد نشره في العدد 1071 / الأحد 9 فبراير 2020م .
لم تكن المفاجأة عنوان المقال ، ولا ما يسوقه من حجج فجة وواهية ، أو ما يضمره من استخفاف بعقل القارىء ، بل ما فاجأني فعلاً هو محاولته الساذجة للمصادرة على مطلوب قطع كل صلة لمتنه بالموضوعية ، فجاء أشبه بارتداد صراخ أيكو عن عظام نرسيس .. يخبرنا السيد كاتب المقال ، ومنذ المفتتح ، بأننا نحن « الليبيون « نكذب على بعضنا البعض منذ 2011 « تحديداً ، وذلك يعني لم أوتي شيئاً من قدرات شامبليون ، أننا كنا قبل 2011 من الأنبياء والصديقين ، أو مع الملائكة في الفردوس حتى أكلنا من الثمرة المحرمة لنُطْرَدَ « للأسف الذي لا يجدي « من الفردوس الذي كنا فيه .
حسناً ياسيدي سأسلم جدلاً بقولك : – نحن جميعاً ودون استثناء « بما في ذلك الجميع ( أنت وأنا ) بالطبع « نندرج تحت لائحة التوصيفات التي رصعت بها مقالك والتي لا تجاوز ( جذرَي ) كَذِبٌ ونِفاقٌ ، كمصدرين لما تريد إيصاله إلينا ، ذلك أمر قد أوافقك وغيري عليه وقد لا نوافقك ، لكن بالله عليك أخبرنا ، هل نحن فقدنا الفردوس في عام 2011م كما تحاول أن توحي إلينا وتقنعنا مواربة ؟ أم أننا كنا نتلظى في جحيم الكذب والتزوير والمغالطة والسفسطة الصفيقة لعقود أربعة ، وأن ما فعلناه في عام 2011 ما كان إلا السبيل الوحيد الباقي أمامنا للخروج من ذلك الجحيم والنجاة بما بقي من آدميتنا المهدورة ؟ .
شخصياً لا أصادر حقك في قول ما تشاء وفي أن ترى وتعتقد ما يوافقك ويناسب تفكيرك وتطلعاتك ، ولا أعتقد أن عاقلاً يخالف هذا الموقف ، لكنني وكل عاقل أيضاً لا نقبل منك أو من غيرك تزوير الحقائق وتقويل الواقع المباشر غير ما يقول ، من حقك ياعزيزي أن تكون لك رؤيتك الخاصة وأن تختار الفلسفة التي تقنعك وأن تعتنق الأيديولوجيا التي تجسد مصالحك وتحققها ، ولكن اختلافك عني لا يعطيني الحق في تخوينك « مثلما كان الشأن في الفردوس المفقود « لأنك لم توقّع صكاً بالتبعية لأحد . « علَيَ عند هذه النقطة أن أؤكد « أن السيد كاتب المقال ليس مقصودا شخصياً ، بما أكتبه هنا بل أنني أخاطب الجميع بما في ذلك نفسي ، كما لايهدف قولي إلى إتهامه أو اتهام غيره بأيما شيء ، لأن من بين الاحتمالات الواردة ، أنني قد أكون قصرت عن فهم مقاله وأخفقت في فهمه .
وبالعود إلى أسطوانة التخوين المشروخة وحشرجة الموت في نبراتها ، هل بمقدور من عاش وعايش واقعنا الليبي منذ سبعينيات القرن الماضي على أن ينفي صادقاً ومقتنعاً بصدق أن ما فعله الليبيون في عام 2011م كان يهدف إلى كسر كل القيود وأساليب القسر والتخوين اللامبرر واللاأخلاقي  وهل يمكن « لمن يوافق كاتب المقال على دعوته إلى التخلي عن الكذب والنفاق « أن يوافقه على أننا صرنا نكذب فقط منذ 2011م ، وأن الذي أردانا في ذلك الجب ، أننا أكلنا الثمرة المحرمة ، فهل ياترى الحرية هي الثمرة المحرمة ، أم أننا لمّا نبلغ من الوعي الحد الذي نفرق عنده بين الثمرة والجمرة  لا شك في أن التعصب واحد من أخطائنا كبشر وواحد من أخطر الأدواء الاجتماعية ، حتى أن من يكون أحيانا مجرد ترس في مركب الطغيان أو أقل من ترس لا يرى في إغراق ذلك المركب أو تفكيك أوصاله إلّا محاولة لتدميره والقضاء عليه هو نفسه ، ومستبعد أن يخطر بباله أن في هلاك مركب الطغيان وغرقه فرصة له للعودة إلى ذاته واستعادة كينونته ، ولا يرى فيمن يغرق ذلك المركب أكثر من مجرم وعدو شخصي له ، حتى إذا الخضر نفسه عليه السلام .
ثم ألسنا جميعاً نذكر أن مفردة ( الثورة ) كانت أكثر مفردات اللغة تردادا ولوكاً طوال أربعة عقود كاملة قبل 2011م فهل كانت ثمة ثورة حقاً في واقعنا ، أو هل كان ما يسمى ( اللجان الثورية) ثورية وثائرة حقاً؟ ، أم كانت لجان ( تورية ) ومواربة وتمويه ؟ تلك بعض من الأسئلة التي يقتضينا الانصاف والصدق أن نواجهها ونجيب عنها بصدق وشجاعة ، على الأقل من أجل الّا نظلم التاريخ ، ولنكتشف ونقر بصراحة بأننا لم نشرع في الكذب والنفاق منذ 2011م ، بل كل الذي نعيشه ونعايشه ونمارسه من كذب ونفاق من بقايا فردوسنا المفقود، التي لا نرجوا لها خلوداً .

شاهد أيضاً

الروايات بخوتْ

جمعة بوكليب زايد…ناقص حين صدرتْ روايته الأولى(خبزُ على طاولة الخَال ميلاد) منذ سنوات قليلة مضت، صار …