بقلم /فتحية الجديدي
تحمل علب أدوية فارغة وتتأبط ملفًا طبيًا مهترءاً وتشق طوابير المصرف مطلقة صوتًا عاليًا يطالب بالمساعدة بمنحها إعانة من الواقفين.
موجة التعاطف معها تتبدل بعد لحظات إلى مجموعة من التساؤلات : لماذا اختارت المكان والزمان، ولماذا هي العبارات مسجعة على حالة تنتج استعطافًا كبيرًا، ثم إن قليلاً من التأمل يكشف ان حركات الجسد ورفع اليدين عاليا مرتبة لتظهر صاحبتها كطعم ينفذ إلى جيوب الناس.
كل هذا ( البدي لانجوج ) مهيأ بطريقة محبوكة لرسم صورة للمسكينة واختراع مشهد درامي مكمل للعمل.
هذا ليس مقدمة لفيلم قصير أو مسلسل، بل هو مشهد حقيقي لامرأة تحدثت عنها الكثيرات، وهن يمقتن ما تقوم به بحكم كل أسبوع أمام أحد المصارف التجارية، بأحد الشوارع الحيوية في العاصمة ، وكون أن ديننا يأمرنا بالمعاملة الحسنة وكتابنا العزيز يخضعنا في إحدى آياته بعدم نهر السائل وتقبَل الأمر وإن عن مضض، وربما من باب الشفقة عليها لم يرد عليها أحد.
لكن أولئك النسوة استمررن في الحديث، ثم صاحت إحداهن برفضها صورة المرأة المهانة، وهي تتقمص أدوارًا ليست لها وبعبارات نقد حيالها، كونها في سن صغير وقادرة على العمل وتسمح لها صحتها بذلك – على ما يبدو لنا جميعًا.
أضافت تلك المستهجنة « يمكن لهذه السائلة أن تعيش من كد يمينها دون أن تلجأ إلي حيل تنقص من قيمتها وتلحق الإحراج بالأخريات من جيلها ، كما تستطيع أن تكفل لنفسها حياة مع شريك يغنيها عن السؤال كونها امرأة تملك معايير تؤهلها لذلك وان كانت لا تحمل جنسية البلد – كما أخبر عنها البعض ممن عرف امتهانها التسول واختيارها نقاط محددة للقيام بذلك نتيجة خبرتها في هذا الشيء .
لم نملك إلا أن نتتبعها بالنظر حتى اخترقت صفوف الرجال طالبًا العون وكانت ردود الأفعال متشابهة ولم يبادر أي احد منهم بمساعدتها بل أطلقوا البعض عبارات الاستهجان تجاه ما تفعله هذه السيدة في كل مرة من المرات أمام المصرف عندما تكون هناك سيولة نقدية «.
أمر هذه السائلة يؤكد البون بين الحاجة والسؤال والنصب والاحتيال « سامح الله هذه المرأة ومن هن على شاكلتها على أفعالهن وكفانا ما يوجع قلوبنا ونحن منهكو الأجساد من الطوابير .