زايد..ناقص
جمعة بوكليب
هل سمعتم من قبل عن ( أمل يائس)؟
شخصياً، لم أسمع مطلقاً بوصف كهذا يجمع متناقضين، أملٌ ويأسٌ، في جملة واحدة . إذ كيف يمكن للأمل، بما تحمله ذاكرة المفردة من معان ودلالات أن يكونُ يائساً، أو على علاقة باليأس؟
الأمرُ حدث خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر (كوب26 ) ، المنعقد بمدينة جلاسجو الاسكتلندية، والمتعلق بمناقشة أخطار التغييرات المناخية على العالم. والتقطته أذناي من الكلمة المرتجلة المميزة التي كان يلقيها العالم الطبيعي البريطاني السير “ديفيد أتنبره”، متوجهاً بها إلى مؤتمرين، جاءوا من أصقاع الأرض، ممثلين لأكثر من 190 دولة، وبهدف محاولة انقاذ الحياة البشرية. المؤتمرون بدورهم، كانوا جالسين في صالة ضخمة، وبطريقة تذكر المشاهد بجلوس خبراء الفضاء الخارجي، بمقرهم في قاعة مراقبة اطلاق المركبات الفضائية، بوكالة ناسا الأمريكية، وهم يراقبون في شاشات أجهزتهم الالكترونية ما يتم من تجهيزات واستعدادات أخيرة.
السير “ديفيد اتنبره” كان يحدثهم عن إمكانية تفادي حدوث كارثة بيئية قد تقضي على العالم والحياة البشرية، مشيراً إلى أن انعقاد المؤتمر وتدارك السياسيين للخطر ، ربما كان يمثل أمَلاً يائساً. الوصف ذاته يحيلنا تلقائياً إلى أن قائله، ضمنياً، لا يرى فائدة تُجنى من عقد المؤتمر. وأنه، وهو الأهم، لا يثق بالسياسيين ولا بأقوالهم. وأن التجربة علمته أنهم، على أختلافهم، يقولون مالا يفعلون، خاصة إذا كان الموضوع يتعارض مع مصالحهم الشخصية ومع مصالح الأحزاب التي يمثلونها وينتمون إليها. ومن الطبيعي أن تكون الأجندة المطروحة في المؤتمر تتعارض مع مصالحهم، لأنها تؤكد على ضرورة المسارعة باتخاذ اجراءات عملية، وأنفاق أموال. وفي حسابات الربح والخسارة، فإن تحقيق تلك المطالب يقع تحت بند الخسائر. لان تنفيذ توصيات المؤتمر قد ينجم عنه بطالة، وانخفاض في مستويات معيشة الأفراد. الافراد بالمعنى السياسي تعني الناخبين، الذين يدلون بأصواتهم في الصناديق الانتخابية. العملية ليست معقدة. ومن الأخير، لا يوجد من يجرؤ على فقأ عينه، أو عينيه بأصبعه تطوعاً لأجل انقاذ بشرية لا يعرفها، ولن تصوت له في الانتخابات.
أنا، في هذة السطور، لن أضيّع وقت القاريء، في التنظير حول ضرورة العمل الدولي من أجل تلافي ما قد يحدث من كوارث بيئية مستقبلية في العالم. لكني مقتنع، من جهة أخرى، أن وصف ( أمل يائس) مثير لاهتمامي، ويليق بوصف الحالة التي عناها قائله، كما يليق، في نفس الوقت، سياسياً بوصف الأزمة في ليبيا. فنحن مقبلون على انتخابات، خلال أسابيع قليلة قادمة. البعض منّا يراها عصا موسى السحرية، والبعض الآخر- أنا منهم – يراها مجرد تمرين آخر على كيفية اضاعة الوقت والجهد. هؤلاء الأخيرون، في مناقشاتهم وفي قناعاتهم، يرون أن تأزم الوضع في ليبيا سياسياً، ليس في حاجة إلى استبدال وجوه قديمة بجديدة، رغم أهمية ذلك نسبياً. ويقرّون أن الخروج من النفق يتطلب نزع الفتيل كلية من القنبلة الموقوتة التي تتواجد بيننا. وبوضوح فإنهم يعنون بذلك وجود السلاح والجماعات المسلحة في كل أنحاء البلاد، وخارج سلطة الدولة. ويعترفون صراحة أنه مالم تتعاون الأسرة الدولية مجتمعة من أجل أنقاذ البلاد، بنزع سلاح تلك الجماعات، وفرض سلطان الدولة، فإن الانتخابات لن تغير الأمور. إذ ماذا ستفعل الحكومة المنتخبة الجديدة، وما سيفعل الرئيس المنتخب القادم، إذا تواجدت على الأرض جماعات مسلحة لا تعترف لهم بسلطان، وتمارس نفوذها في الواقع اليومي المعاش من دون اكتراث بهم جميعاً؟ لذلك السبب لاغير، من الممكن لنا أستخدام الوصف أعلاه، ومن دون تردد.