منصة الصباح

أقانيم الدين الإبراهيمي – 1

على عبدالله

 

لسنا في حاجة إلى تعريف الدين ، بل يكفي القول أنه رؤية تستوعب مجمل الوجود والحياة ويمكن من خلالها استخلاص ما ينطويان عليه من معان ، كما أن بمقدورها أن تضفي عليهما ما يناسبهما من قيم ، وهو ما تقصر عنه الفلسفة التي تتوقف عند حد التفسير الذي لا يكون بالضرورة ( بفعل تأثر النظر الفلسفي بتفضيلات وانحيازات وميول وأهواء الفلاسفة ) دقيقة أو صائبة ، كما أن الأيديولوجيا ( التي ليست إلا محاولة لتبرير ذاتها عبر تبرير ماتسوقه من دعاو وادعاءات) أكثر قصورا وأشد عجزا عنه .

وبهذا المعنى فلابد للدين ليكون دينا حقا من أن يجيء عن معرفة حقيقية بالنفس البشرية ، وهي معرفة لا يمكن القول أنها توفرت لكائن بشري يوما ، وقد قال سقراط يوما  ( اعرف نفسك ) وهي دعوة مفتوحة لكل من يمكنه فهمها تلقائيا وبطريقة مباشرة ، كما أنها لا تكون من واقع طبيعتها المحكومة بالصيرورة وعدم الثبات إلا معرفة نسبية ومحدودة مهما اتسعت ، وعاجزة من ثم عن استيعاب الوجود بشموله والحياة بكليتها مثلما عن استيعاب مالهما من دلالات ومعان ، أما فيما خص القيم التي تضفيها تلك المعرفة عليهما فلابد لها من تجيء موسومة بنسبيتها ، إلى ذلك ليس من مهمة الدين أن يبرر وجود الخالق فما من حاجة بالحق إلى مبرر من خارجه بل هو يحمل برهانه في ذاته ولا أن يفسره ، لكن بالنسبة إلى الإنسان فذلك هو الواقع فعلا ، إذ يسوغ الدين وجود الإنسان ، أو بتعبير آخر يجعل الخالق وجود الإنسان مبررا بالدين وحده وذلك بكون الدين استجابة كافية لنداء الفطرة واجابة لسؤالها الملح ، وعندما يقول الخالق تعالى ( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ) فمن معاني العبادة أن يستجيب الانسان لجبلته الأصلية أي فطرته بالكيفية التي تؤهله لآدميته وتمكنه من تحقيق خلافته لله في الارض ، وهنا يواجهنا السؤال هل يحقق ما يروج له تحت مسمى الدين الإبراهيمي ذلك؟ ، وهل يمكن للإنسان أن يطمئن إلى أن اعتناقه إياه ، وإتباعه مايرتبه ذلك من فروض وواجبات ؟.

يطرح الدين الإبراهيمي في صيغة أقنومية ، شأن اليهودية التي تجسدها أقانيم ( رب الجنود ، الشعب المختار ، أرض ااميعاد ) والمسيحية بأقانيمها المعروفة ( الآب ، الإبن ، الروح القدس ) ، فأقانيم الإبراهيمية هي ( اليهودية ، المسيحية ، الإسلام ) ، ولسنا في حاجة إلى أن نلفت النظر إلى ما فيها من تمحل واعتساف ، إذ يكفي أن نلاحظ أن توافقها ( وإن ظاهرا ) مع اليهودية والمسيحية ، لا ينفي تناقضها مع الإسلام الذي لا أقنومية فيه ، ويمكن لنا نضع اليهودية والمسيحية والابراهيمية متوازية و أن نقابل بين أقانيمها لنرى ( رب الجنود ) في المنظومة الاقنومية اليهودية يقابل ( الآب ) في المنظومة الاقنومية المسيحية و ( الدين اليهودي ) في المنظومة الاقنومية الإبراهيمية ، وكذلك سيوازي أقنوم ( الشعب المختار ) اليهودي أقنوم ( الابن) في المسيحية و ( الدين المسيحي ) في المنظومة الإبراهيمية ، ليأتي ( الروح القدس ) في المسيحية و ( الدين الإسلامي ) ليصطفا على التوالي متوازيين وموازيين لأقنوم ( أرض الميعاد ) ، لكن هذا التصور لما يراد لنا القبول به لا يدع لنا خيارا سوى رفض الديانة الابراهيمية ورفض كل مايطرح في إطارها ويروج له في سياقها ، ذلك أن الرفض هنا إلى ما يؤكده من تمسكنا بديننا الإسلامي ووعينا به وبما يميزه عن غيره ، يؤكد احترامنا لذواتنا ولعقولنا ولقدرة كل منا على التمييز بين الحق والباطل .

شاهد أيضاً

الخارجية تعلن الإفراج عن 17 مواطنًا ليبيًا من السجون الجزائرية

الخارجية تعلن الإفراج عن 17 مواطنًا ليبيًا من السجون الجزائرية

أعلنت وزارة الخارجية والتعاون الدولي عن الإفراج عن 17 مواطنًا ليبيًا كانوا محتجزين داخل السجون …