جمعة بوكليب
زايد…ناقص
المكانُ المُخصصُ للتدخين بصالة المغادرين بمطار معيتيقة بطرابلس، يشبه إلى حدٍّ كبير الأقفاص المخصصة للحيوانات المفترسة بحدائق الحيوان في العالم. حين أبلغت صديقاً لي، غير مُدخّن، بتلك الملاحظة، ردّ قائلاً بأن أقفاص الحيوانات المفترسة أفضلُ صحّياً، لأنّها غير ملوثة بالنيكوتين!
في المرّة الأخيرة من وجودي بالمطار المذكور، قاصداً مدينة القاهرة، وقبل وقت قصير من موعد قيام رحلتي، لجأت سريعاً إلى قفص، أقصد مقصورة، التدخين، صحبة رفيق سفر، لتدخين سيجارة قبل الاقلاع. وجدنا أمامنا اثنين من عمال النظافة بالمطار قد سبقانا إليها، ووقفا في جانب منها يدخّنان ويتحدثان. أحدهما قصير القامة، أسمر لون البشرة، آسيوياً. وكان الآخرُ أفريقياً طويل القامة. انتحيتُ وصديقي جانباً وأشعلنا سيجارتينا.
بعد ثوانٍ قليلة، لمزني صديقي بمرفقه، وغمز بعينه لي نحو العاملين الواقفين قُربنا. نظرتُ إليهما فلم يقابلني منهما ما يُريب. نظرتُ في عينيّ صديقي مستسفراً. فال لي همساً، ألم تلاحظ أنهما يتحدثان مع بعضهما باللهجة الليبية؟ نظرتُ نحوهما مجدداً. طرقتْ سمعي عدة كلمات بلهجة ليبية. بعدها، رأيتُ العامل الأفريقي يغادر المقصورة، في حين أن العامل الآسيوي استأنف عمله في تفريغ منافض التدخين من محتوياتها في كيس بلاستيكي أسود. سألته بأدب من أي بلاد الله جاء وزميله. فرد قائلاً: إنه بنغلاديشي وزميله نيجيري.
سألته: ألم تكن أنت وزميلك النيجيري تتحدثان بلهجة ليبية؟ ابتسم العامل وهزَّ رأسه علامة الإيجاب. قلت له لماذا لا تتحدثان باللغة الانجليزية، وكلاكما قادمٌ من بلدان الكومنولث البريطاني؟ ابتسم، وقال لي إنهما يفضلان التحدث باللهجة الليبية!!
وهذا قادني إلى استنتاج مفاده أننا، أغلب الأحيان، لا نرى في أؤلئك العاملين غير فقرهم، وبعضنا يزدريهم. وننسى أنّهم بشرٌ بعقول ذكية جداً، قادرون على تنظيف شوارعنا من القاذروات، وفي نفس الوقت على استيعاب سُلوكنا وعاداتنا وتقاليدنا وثقافتنا ولغتنا. وأن تجاهلنا لهم لا ينفي حقيقة أنّهم جديرون باحترام وتقدير عظيمين نَضنّ بهما عليهم.